الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وقف الخلق.. ولكن ألا ينظرون!!


نتحدث اليوم عن واحدة من أعمق القصائد الوطنية التى تغنت بها السيدة أم كلثوم، وكتبها الوطنى المفعم بمشاعر صادقة لمصر حافظ إبراهيم، ولحنها فارس النغم العبقرى بكل ما تحمله الكلمة رياض السنباطى ( قصيدة مصر تتحدث عن نفسها).

أدعوكم أصدقائى الشباب للاستماع لتلك القصيدة لأنها واحدة من أهم ما يعلمكم و يثبت فى وجدانكم القيمة الحقيقية لمصر، وإياكم أن تقولوا ما هذه الأغنية القديمة؟ هل نستمع لأغنية عفا عليها الزمان؟

أذكركم أن الثقافة الحديثة التى تتلقونها فى مدارسكم والمناهج التى تلقنكم أحيانا تاريخ و تراث لا ننتمى إليه، إنما تحدثكم عن (تشارلى شابلن) مثلا، وعن( بيتهوفن و موتسارت) و تقدم تلك النماذج لكم بكل عظمة وفخر، بينما نأتى عند نماذجنا المضيئة و تراثنا الحي لنجد ألف صوت إما يتناساها أو يقلل من قيمتها، المهم أن هناك من يحاول طمسها، حتي لا يتبقي لكم إلا القليل جدا من الفن الجاد و الذى بالضرورة سيذوب وسط ركام كبير من فقاعات فنية هوائية لن يحفظها الزمن وسوف يسقطها التاريخ .

تبدأ القصيدة بمقدمة موسيقية عربية الطراز من المقام الأول و ذلك تأكيد من ملحن عبقرى (السنباطى) علي هوية اللحن كما لو كان يترجم لنا كلمات القصيدة و يبسطها للعامة من المستمعين، ولكنه فى الوقت نفسه تراه فى منافسة وطنية مع الشاعر فتقف متحيرا أيهما أكثر فخرا بمصر الشاعر الذى وصفها بالكلمات، أم الملحن الذى ثبت فى آذاننا كل نغمة عربية ؟

تنقل السنباطى طوال القصيدة بين مقامات عربية ( بدأ من مقام الراست و انتقل إلي الحجاز كاركرد ثم البياتى ثم الكرد وعاد إلي الراست فى النهاية مرة أخري) و تلك مقامات موسيقية تعطيك تكوين لحنى عربى لا تغفله أذن ولا يتحير فيه مستمع، والأهم هو أنه جعل اللحن مقدم علي الإيقاع فى معظم أجزاء القصيدة، بينما يستخدم آلة مثل (الكونتراباص) و(التيمبانى) لتعطيك نبرات و دقات مع بدايات الجمل لضبط الإيقاع ويدق قلبك معها عند الإستماع للنبر على الوتر بصوت الآلة الرخيم.

والأجمل أن اللحن والتحويلات المقامية والغناء من كل طبقات المقام الموسيقى تأتيك بسهولة وانسيابية تجعلك تحفظ اللحن وأنت غير متخصص ( تخلق منك متذوق أوسميع)

أى ذكاء هذا الذى يملكه رياض السنباطى !!
أما كلمات حافظ إبراهيم حدث ولا حرج، إنسان يعرف قيمة وطن بحجم مصر ممتلئ بمشاعر وطنية، وثقافة تاريخية جعلته يؤكد فوز مصر عند دخولها فى أى مقارنة، من إبداعه فى تصوير مصروهى تتحدث، تشعر أنك تري المرأة الفلاحة المصرية واقفة فى شموخ ملامحها مختلطة بطمى الأرض الذى تعرف قيمته و شمس مصرية تنعكس علي وجنتيها فتزيدهما جمال، ورائحة هى فى الحقيقة عبق لا يعرفه إلا المصرى الحقيقى تفوح من بين ملابسها المصرية الجميلة، تقف تلك المصرية تقول وتعرف العالم من تكون بكل فخر.

و فى الحقيقة فإن صوت أم كلثوم القدير علي التعبير باللغة العربية و مخارج الحروف السليمة و إلمامها بقواعد النطق اللغوى السليم جعلها الأقدر على تتويج مثل هذه القصيدة فى شكل يسهل عليالمستمع حفظها وغنائها رغم صعوبة تعبيرات كلماتها ولحنها، قوة صوتها و قدرتها علي التعبير تجعل الملحن حر ولديه متسع من الإختيارات فى وضع أى لحن يشاء.

ولكن عندما ظهرت القصيدة إلي النور، هل كان يعلم العظماء الثلاثة أن مصر سوف تخوض هذا التحدى علي مر العصور؟ هل كانوا يعلمون أن الفن و دوره فى التوعية الوطنية سيتم اختصاره فى بعض الأغنيات الساذجة التى نسمعها الآن؟
أصدقائى علموا أنفسكم أن التراث الموسيقى لا يقل أهمية عن التراث الحضارى، لا تنساقوا خلف ثقافات لا ننتمى إليها بدعوى التطور و التحضر، ما من أمة تترك تراث فنى عظيم مثل تراثنا ، إلا ولابد أن شيئا مقصودا خلف ذلك.

دعونا نؤكد للعالم أجمع أن بلدنا هى تاج العلاء، و أنه لابد أن يقف الخلق و ينظرون و يفهمون أن مصرنا ليست كأى دولة، وشعبها ليس كأى شعب، طوال الوقت يقف الخلق و ينظرون إلينا .
تعالوا ندعهم يروون كيف نبنى قواعد المجد فى الواقع وليس فى الغناء .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط