الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

100 عام على مساعي التطهير العرقي ضد الأذريين


ثمة جرائم لا تسقط بالتقادم، وفي تاريخ الشعوب سنوات أو حتى عقود من الضعف، ثم يبدل الله حالها من بعض ضعف قوة، وبين الضعف والقوة أحداث لا تطويها السنون، وجرائم لا يغيب أثرها عن العيون.

بعد أيام ثلاثة، وتحديدًا في الـ31 مارس يكون قد مضى قرن على إحدى أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية.

ففي مثل هذا اليوم من العام 1918، وقعت إحدى أكبر المذابح.. كان بطلها قاتل أرميني وقتيل مسلم أذربيجاني!

فهذا البلد الذي لا يحظى باهتمام كثير من المسلمين على مستوى القيادة أو الشعوب وللأسف، تعرض لأبشع الممارسات وحشية من قبل دولة أرمينيا المغتصبة التي رعى تأسيسها الروس، واحتضن حمايتها بعد ذلك الدول الكبرى التي تماثلها الدين، فتم على أثر ذلك الحب، وهذه الرعاية، تقسيم أراضي أذربيجان، ونهب ثرواتها، واحتلال أراضيها وسفك دماء أهلها.

إن معاهدتي جولستان و توركمانتشاى الموقعتين في عامي 1813 و 1828، قد منحتا السند القانوني لتقسيم الأمة الأذرية، وتقسيم أراضيها التاريخية، واستلهاما لفكرة إنشاء أرمينيا العظمى، بدأ الغزاة الأرمن في تطبيق علني، وعلى نطاق واسع لأعمالهم الشريرة ضد الأمة الأذرية خلال أعوام 1905-1907، وكانت البداية "باكو".

فقد استطاع الأرمن الاستفادة من الحرب العالمية الأولى, ومن الثورات الروسية المندلعة في فبراير وأكتوبر عام، 1917، وبدعوى البلشفية شرعوا في تطبيق خطة التطهير العرقي الدنيئة للتخلص من سكان أذربيجان بدءًا من باكو وانتهاء ببقية المقاطعات.

وبحجة محاربة العناصر المناوئة للثورة البلشفية توسع الأرمن في أعمالهم البربرية بقرى وأراضي أذربيجان.. دمروا مئات القرى وتمت تسويتها بالأرض، وقتلوا الآلاف من الناس بوحشية غير مسبوقة، حيث دمروا المنازل الآهلة بسكانها، وأحرقوا الناس أحياءً، وتحولت معظم مدينة باكو إلى أطلال بمعالمها المعمارية القومية ومدارسها ومستشفياتها، كما دُمر العديد من الآثار الأخرى.

ولم تتوقف هذه الأعمال الوحشية عند "باكو"؛ بل امتدت إلى عدة أقاليم أخرى مثل، "قوبا وشاماخى وقاراباغ وزانقازور وناختشوان ولانكران، وغيرها، وتحولت الكثير من القرى إلى رماد وسويت آثارهم القومية بالأرض، وكان الغرض من كل هذا هو طمس المعالم التاريخية والديموغرافية للأراضي الأذرية، وبالتالي إفشال إثبات القيادة الأذرية لحقوقها التاريخية والقانونية.

وبعد تأسيس جمهورية أذربيجان الديمقراطية، تم وضع جرائم 31 مارس 1918 ضمن أهم أولويات الدولة الجديدة، فأصدر مجلس الوزراء قرارا في 15 يوليو 1918 بإنشاء لجنة غير عادية لبحث وتقصى تلك الأحداث المأساوية، وبحثت اللجنة المرحلة الأولى من الإبادة الجماعية التي حدثت في مارس، بكل بلديات وقرى وأقاليم أذربيجان.

كما تم تأسيس إدارة خاصة تابعة لوزارة الشئون الخارجية، وذلك حتى يتعرف المجتمع الدولي على الحقيقة، وأعلنت جمهورية أذربيجان الديمقراطية اعتبار الحادي والثلاثين من مارس يوم حداد وطني في البلاد، وذلك مرتين، في عام 1919 و1920، وكانت هذه هي أول محاولة في التاريخ لإعطاء وصف الإبادة الجماعية ضد شعب أذربيجان، و للعملية العدوانية التي استمرت لما يقرب من مائة عام على يد الأرمن؛ لكنها دخلت الإنعاش بعد ذلك بسبب انهيار جمهورية أذربيجان الديمقراطية.

وكالعادة استغل الأرمن الفرصة، وقاموا بعمليات تحويل مناطق شمال القوقاز لجمهوريات سوفيتية، فأعلنوا ضم منطقة "زانجازور" التابعة لجمهورية أذربيجان إلى أرمينيا السوفيتية الاشتراكية عام 1920، ومنذ ذلك التاريخ وما تلاه وخاصة في الفترة من 1948 إلى 1953 تواصلت عمليات الترحيل الجماعي لسكان أذربيجان من مواطنهم، فتم تهجير ما يزيد عن 150 ألف أذربيجاني بالقوة خارج أرمينيا، وكان هذا التهجير بموجب قرار مجلس الوزراء السوفيتي الصادر في 23 ديسمبر 1947 تحت اسم "القرار الخاص بشأن التهجير الجماعي للفلاحين والسكان الأذربيجانيين من جمهورية أرمينيا السوفيتية الاشتراكية إلى سهل "كورا – أراز" التابع لجمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية!

وامتدادًا لمسلسل الإبادة الجماعية للأذربيجانيين، قامت أرمينيا في عام 1988 بتحريض ودعم مجموعة من الانفصاليين في إقليم "قره باغ" الأذربيجاني، والقيام بحرب عدوانية وتطهير عرقي بهدف ضم الإقليم الذي يشكل خمس مساحة أذربيجان إلى أرمينيا، فارتكبت العديد من المذابح ضد السكان الأذربيجانيين، كان أبشعها ما عرف تاريخيا بمذبحة "خوجالي"، والتي وقعت في 26 فبراير 1992، حيث تم حرق المدنيين بالكامل، فقتل 613 مواطنا منهم، 489 رجلا، و18 طفلا و106 امرأة، وكانت تلك الحرب بداية لحلقة جديدة في مسلسل العداء الأرميني المتجذر لأذربيجان المسلمة.

وتسببت هذه الجرائم والمذابح فى قاراباغ الجبلية إلى نزوح مليون مواطن أذري عن أراضيهم وديارهم، والعيش في خيام الإيواء، حتى أنشأت الحكومة الأذربيجانية أحياء حديثة توفر من خلالها لهم سبل المعيشة، والحياة الكريمة؛ لكن كان وسيظل حلم عودتهم لديارهم وأرضهم حيا في قلوبهم وعقولهم.

وسعيًا من أذربيجان في نيل حقوق شعبها سلميًا، بدأت منذ العام 1992، ولا تزال مستمرة في مفاوضات مع أرمينيا بوساطة مجموعة "منسك" التي ترأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا؛ لكن من أين يأتي السلام ونحن أمام دولة لا تنفذ أربعة قرارات لمجلس الأمن حملوا أرقام (822،853،874،884)، وجميعها تدعوها لضرورة إعادة الأراضي التي احتلتها إلى أذربيجان؟!

ويبدو أن السلام الذي تريده أرمينيا هو نفس السلام الذي تبتغيه دولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.. سلام يقوم على دم الآخر وأرضه وحريته وعرضه.. سلام بشروط المغتصب والمعتدي، وليس على أساس الحق والعدل!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط