الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عيد شمو يجمعنا كما يجمعنا إحساسنا بالوطن


كل عام ونحن بخير، بداية من الأحد الماضى بدأ المصريون المسيحيون فى معايشة أسبوع آلام السيد المسيح، وحتى الوصول للأحد القادم واحتفالهم بعيد القيامة المجيد .

ويأتى عيد القيامة دائما ما بين الأسبوع الثانى من أبريل إلي الأسبوع الثانى من مايو حسب التقويم القبطى المصرى، فهو مرتبط بخروج اليهود من مصر القديمة فى زمن نبي الله موسى، اليوم الذى اتخذوه عيدًا لهم بعد ذلك وأصبح يسمى عيد الفصح (كلمة عبرية تعنى الخروج أو الهروب) حيث إن عيد القيامة كما ورد فى الأناجيل الأربعة جاء بعد الفصح، كما أن خروجهم مرتبط بعيد الخلق عند المصريين (شم النسيم حاليا) حيث اختاروا هذا اليوم ليخرجوا أثناء انشغال المصريين بالعيد .

وهذا الشهر يسمى بالتقويم المصرى القبطى (بَرمودة) وهو الشهر الثامن، وفي التقويم الجريجوري يبدأ من التاسع من أبريل إلي الثامن من مايو، وهو رابع أشهر موسم النماء في مصر القديمة، وفيه تبدأ المحاصيل في النمو في أرض مصر، واسمه بالديموطيقية ”رِنّو“، وهو رمز للرياح عند قدماء المصريين، ومرتبط بموسم الحصاد وانحسار الفيضان فى مصر القديمة .

ولما كانت الحضارة المصرية القديمة سابقة للديانات، فإنه ثبت من البرديات و النقوش علي جدران المعابد احتفال المصرى القديم بالأعياد الدنيوية طبقا للظواهر الفلكية وما تفعله بالطبيعة ومظاهر الحياة، وليس لذكري دينية أو طقس معين، ولذلك احتفلوا بعيد الخلق الذى حددوا ميعاده باليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس فى برج الحمل ، ويقع فى الخامس والعشرين من شهر (برمهات) ، فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم (قبل الغروب) ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم ، وفي تلك اللحظة تبدو أشعة الشمس وكأنها تقسم الهرم إلي نصفين.

الاحتفال بعيد (الخلق) الذى يسمى الآن شم النسيم، يعود إلي ما يقرب من 4700عام قبل الميلاد، وترجع تسميته إلي الكلمة الهيروغليفية ( شمو)، وتعنى عند قدماء المصريين (بعث الحياة)، و لذلك ارتبط عيدهم أيضا بالبيض حيث كان البيض يرمز إلى خلق الحياة مثله مثل قرص الشمس الذى يتربع علي قمة الهرم ليبدأ رحلة خلق جديدة، وقد بدأ ظهور سلة البيض الملون مع بداية العيد المصرى القديم نفسه، وصوَّرت بعض برديات منف الإله (بتاح) وهو إله الخلق عند الفراعنة، وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة، كما ورد فى كتاب الموتى وأناشيد (أخناتون) . 

وهكذا بدأ الاحتفال بأكل البيض كأحد العادات الهامة التى ترمز لعيد الخلق، وقد كانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار لتحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم، ومن هنا جاءت فكرة تلوين البيض، كما كانوا يتناولون فيه السمك المملح لما له من قدسية لدي المصرى القديم وكذلك لأن السمك كان يكثر مع موسم الفيضان، إذن هو عيد ( الخلق ) الذى كان ينطق ( شمو).

مع انتشار المسيحية في مصر بالكامل في القرن الرابع الميلادى، واجه المصريون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد (شمو)، إذ أنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذي يسبق عيد القيامة المجيد، وفترة الامتناع عن تناول جميع الأطعمة من أصل حيواني أو الأسماك، وكذلك لأن فترة الصوم مرتبطة بالاختلاء والعبادة العميقة، فوجد المصرى القديم صعوبة خلال فترة الصوم بالاحتفال بعيد الخلق(شمو)، بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات، رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بالعيد إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد.

تطور اسم العيد فى تلك الحقبة التاريخية ومع انتشار اللغة القبطية من (شمو) إلي (شوم إن نيسيم) وهي جملة قبطية (مصرية) لا تعني "استنشاق الهواء الجميل"، بل تعني (بستان الزروع) وقد تطوَّر نطق الكلمة مع الزمن فصارت "شم النسيم" التي يظن الكثيرون أنها (جملة عربية)، مع إنها في الأصل قبطية (مصرية) .

من كل ما سبق، يعد ذلك العيد من التراث والموروث الاجتماعى الحقيقى الذى يختص به المصريون فقط، فهو مرتبط بموروث حضارى اتسق مع أحداث دينية و لكنه فى حد ذاته ليس عيدًا دينيا، و قد طوعته الحضارة المصريه ليكون جزءًا من نسيجها الاجتماعى، وهو من أجمل الأعياد لأنه يجمع فئات الشعب جنبا إلي جنب فلا يحتفل جزء بينما يهنيه الجزء الآخر. (شمو نيسيم) وأنتم بخير.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط