الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حوار ابن سلمان وموقف الإخوان


إيمان مطلق يسكن أعماقي في أن الأجيال الجديدة تمتلك من الأفكار والرؤى ما يتفوق على الأجيال السابقة، ويظل ذلك الإيمان يزداد لدي ويتغلغل، وهذا الإيمان مبني على أسس أراها غاية في الموضوعية والمنطقية، ولست من هؤلاء الذين ينظرون للماضي باعتباره الحلم الضائع و الفردوس المفقود، ولو خُيِّرت – وليس لي ولا لغيري ذلك – أن أعيش العصر الماضي الذي يصفونه بالزمن الجميل!

أو أن أعيش عصرنا الحالي أم عصور المستقبل البعيد الذي يتوقعونه - وهو في علم الغيب -! سيئا، هؤلاء الذين يرون – دون وعي وعلم - أن الزمن يسير بالإنسانية نحو الأسوأ، لاخترت الأخيرة بلا أدنى تردد، ذلك الذي يعني – دون الحاجة إلى دليل – قناعتي بأن الحياة في تطور مستمر وأن بكائية النواح على الماضي لا يشترك في لحنها إلا هؤلاء الذين ينظرون للماضي نظرة حالمة ليس فيها لا القليل من الدراسة ولا الأدنى من التمعن.

إن الذين يريدون استدعاء الماضي – في حالة مستحيلة – إنما يسوقون إلينا فكرة القيم المهدرة في زماننا المعاصر، وإن صح ذلك - وما أظنه صحيحا – فهم مشاركون في هذا الإهدار، بل ربما يكون مهدرا لديهم هم وحسب.

لفت انتباهي في حوار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، مع الصحفي الأمريكي البارع جيفري غولدبيرغ، العديد من الأفكار الجريئة، التي تعكس مستوى رائع من الفكر، كما توقفت عند رؤى الأمير الشاب التي عكست دراية هائلة، مبنية على دراسة وبحث، فلقد عكس الأمير الشاب عصره بكل كفاءة واقتدار، وكأني به وقد توقف عند ذلك الصراع الدائر دوما بين الأجيال، وأدرك ذلك الحنين لاستدعاء الماضي، والذي ليس له أي مبرر إلا تلك النقطة التي أشرنا لها آنفا، وهي الخاصة بالقيم، فإذا به يصوب سهما نافذا حينما أكد – في معرض حديثه عن ما يمكن أن نصفه بالثورة الاجتماعية والثقافية التي يقودها ببراعة هائلة في شبه الجزيرة العربية – أنه لا مساس بالثوابت: الدينية التي تتمثل عنده في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة والفقهاء الأربعة الكبار أصحاب المذاهب، والاجتماعية التي أكد فيها على احترام التقاليد الأصيلة، والتي لم يكتف فيها باعتبارها تقاليد تخص كافة أبناء المملكة، بل أعرب عن احترامه لتلك التقاليد التي تخص أسرة دون غيرها، وكان ذلك ردا على سؤال الصحفي الأمريكي حول سفر المرأة السعودية دون مرافق " ذكر / محرم" فاعتبر ذلك متباينا بين أسرة وأخرى عاكسا احترامه للخصوصية في الأسر السعودية.

والرجل هنا يواجه فهما متغلغلا لقرون طويلة، نسبه البعض للدين الحنيف، فاختلط ما هو ليس من صحيح الدين به، وهو ما أوصلنا إلى تلك الحال في عالمنا العربي والإسلامي، ولكن الأمير محمد يذود عن الإسلام بعقل واع وفهم عميق يعكسه إجابته على هذا السؤال الذي وجهه غولدبيرغ:

من الجيد سماع بعض الأمور التي تعِد بالقيام بها في المملكة العربية السعودية، لكن لا تزال العملية في بداياتها. لا شك بأن بلدك بلد كبير ومعقد، ومن الصعب جدًا تغيير الثقافة فيه. أيمكنك البدء في حديثك عن الإسلام، والدور الذي يجب أن يلعبه في العالم حسب اعتقادك؟
كان هذا نص سؤال الصحفي الأمريكي، فجاءت إجابة الأمير محمد بن سلمان كالآتي:

الإسلام دين سلام. هذه هي ترجمة الإسلام. في الإسلام، أعطانا الله مسؤوليتين: الأولى أن نؤمن وأن نقوم بالخير لا الشر؛ إذا ما قمنا بأعمال شريرة فإنه سيحاسبنا يوم القيامة.

مستطردا: أما واجبنا الثاني كمسلمين فهو نشر كلمة الله؛ وهذا ما يحاول المسلمون القيام به منذ 1400 عامٍ. لم يكن مسموحًا لهم بنشر الكلمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا؛ لهذا قاتلوا لنشر الكلمة. لكنك ترى أيضًا أنه في العديد من الدول في آسيا -مثل إندونيسيا وماليزيا والهند- كان للمسلمين حرية نشر الكلمة؛ إذ قيل لهم: "امضوا قدمًا، قولوا ما تشاؤون، فالناس لهم الحرية في الإيمان بما يريدون الإيمان به". في هذا السياق، لم يكن الإسلام إكراهًا ولم يتعلق بالسيطرة بل كان لنشر الكلمة سلميًا.

إنها إجابة بسيطة، ولكنها عميقة بدرجة هائلة، ذلك الذي يؤكد أن الأمير يحمل فلسفة واضحة، ويرى المشهد متكاملا.

تنوع الحوار تنوعا شديدا ولا يمكننا الوقوف عند كل ما جاء به في مقال واحد، بل لعل زعمي أن هذا الحوار يمكن أن يؤلف فيه كتاب أو أكثر لا يجانب الحق. لقد تلقفت جماعة الإخوان هذا الحوار بطريقتها الخاصة وشوهت كافة ما جاء فيه، ولابد أن لذلك سببا، غير العداء المعلن بينها وبين كل من مصر والسعودية، وبينها وبين كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتباره محطم حلم إمبراطوريتهم والأمير محمد بن سلمان صاحب الثورة الخليجية والتي تعني عدم وجود موضع قدم لهذه الجماعة، يتضح ذلك من توصيفه الجماعة باعتبارها أحد أضلاع مثلث الشر الذي وصفه الأمير بأنه الأخطر، ليس في المنطقة فحسب بل في العالم وذلك حينما سأله الصحفي الأمريكي:
غولدبيرغ: مثلث الشر؟

محمد بن سلمان: نعم، سأوضح ذلك خلال لحظات. يحاولون في هذا المثلث الترويج لفكرة إعادة تأسيس الخلافة كواجبٍ على المسلمين، لإعادة تأسيس عقلية الخلافة التي تتمحور في أن مجد الإسلام هو بناء إمبراطورية بالقوة. لكن لم يأمرنا الله بذلك، ولم يحُضَّنا النبي محمد على القيام بذلك؛ أمرنا الله بنشر الكلمة فقط. في يومنا هذا، تم إنجاز هذه المهمة، وكل إنسان له الحق في اختيار ديانته. يمكن شراء الكتب الدينية في كل بلد في شتى أنحاء العالم وبذلك يكون قد تم تسليم الرسالة. لا واجب علينا بعد الآن بالقتال لنشر الإسلام. لكن في مثلث الشر، يريدون التلاعب بالمسلمين من خلال إخبارهم بأن واجبهم كمسلمين -وكرامتهم كمسلمين- تستلزم تأسيس إمبراطورية مسلمة.

غولدبيرغ: بشأن المثلث.
محمد بن سلمان: لدينا في المثلث أولًا النظام الإيراني الذي يريد نشر أيديولوجيته المتطرفة -أيديولوجيته الشيعية المتطرفة. يعتقدون أنه بنشرهم لها سيعود الإمام المهدي مرة أخرى للعالم ليحكم العالم كله من إيران وينشر الإسلام حتى إلى أمريكا. لقد قالوا ذلك كل يوم منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ويظهر ذلك في قوانينهم، كما أنهم يثبتونه من خلال أفعالهم.

أما الضلع الآخر في هذا المثلث فهم الإخوان المسلمون، وهي منظمة متطرفة أخرى؛ إنهم يريدون استخدام النظام الديمقراطي لحكم الدول وبناء خلافة الظل في كل مكان، ثم سيتحولون إلى إمبراطورية إسلامية حقيقية. أما الجزء الآخر من هذا المثلث فهم الإرهابيون؛ بما في ذلك القاعدة وتنظيم الدولة الذين يريدون أن يقوموا بكل شيء بالقوة. كان قادة القاعدة وقادة داعش جميعًا منتمين لجماعة الإخوان المسلمين أولًا، ومن ضمنهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري؛ إنها مسألة واضحة ومعروفة.

هنا نعلم يقينا لماذا شوهت جماعة الإخوان وأبواقها الإعلامية حوار الأمير محمد المهم جدا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط