الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. فايزة حلمـى تكتب: الحَبْسَة الكلاميّة

صدى البلد

ربما تكون فى وقت سابق قد واجهت فقدانك للكلام.. وفى البداية تثير كلمة "فقدان الكلام" تساؤلات، مثل: كيف تتطوّر، وما المشاكل الإضافيّة التى تسببها؟

أولا: ما الحبسة الكلامية أو فقدان القدرة على الكلام (Aphasia):
كل إنسان يستخدم اللغة فى الحديث، وإيجاد الكلمات الصحيحة والقراءة والكتابة والفهم، والإيماءات والإشارات جزء من استخدام اللغة، فإذا حدث تلف في الدماغ ترتب عليه فقدان جزء أو أكثر مِن استخدام اللغة بشكل صحيح، فهذا ما يُسمّى "الحبسة الكلاميّة أو فقدان القدرة على الكلام حيث:
Aphasia - A ="non" phasia ="speaking"، أي أن شخصا ما لم يعد قادرا عن التعبير عمّا يريده، وليس قادرا على استخدام اللغة، وجزء من فقدان القدرة على الكلام أنه يمكن أن يحدث عجزا فيما يتعلق بـ:
• التركيز واتّخاذ المبادرات والذاكرة.
• الانتباه ورصد ما يحيط بالفرد.

حيث لا يستطيع الفرد القيام بعملين فى نفس الوقت، لذا معظم الناس الذين يفقدون قدرتهم على استخدام اللغة، يُصيبهم الإحباط خلال قضاء الإجازات خارج منزلهمـ لأنهم لا يستطيعون التعبير عمّا يحتاجونه بوضوح، وأحيانا لا يفهمون ما يقوله الشخص الآخر، وحتى لا يستطيعون في المطاعم طلب الطعام الذى يحبون أكله، لذلك "Aphasia" هو اضطراب لغة يمكن أن يسبب مشاكل مع:
• الفهم
• الكلام
• القراءة
• الكتابة
• ولكن مهارات التفكير غالبا ما تكون جيدة.

وليس هناك اثنان مِمّن يعانون فقد القدرة الكلامية متساويين، فالحبسة مختلفة بالنسبة لكل فرد، لأن مدى وحِدّة الحبسة تعتمد على عدة أمور:
• موقع وشدة تلف الدماغ.
• الكفاءة اللغوية فيما يسبق وقت الإصابة.
• شخصية الفرد.

لأن بعض الناس مع فقدهم للقدرة على الكلام يستطيعون فهم اللغة جيدا، لكنهم يجدون صعوبة فى إيجاد الكلمات الصحيحة أو تركيب الجُمل، ومع ذلك قد يتحدثون كثيرا، ولكن ما يقولونه غير مفهوم، أو صعب الفهم لدى الطرف الآخر الذي يُحادثه، وهؤلاء الناس لديهم مشكلة كبيرة فى فهم اللغة.

وهكذا نجد أن الكفاءة اللغوية للفاقدين القدرة على الكلام، يقعون بين هذين النقيضين، أي أن الشخص فاقد للقدرة على الكلام وفى نفس الوقت لديه بشكل عام قدراته الفكرية الكاملة تحت تصرّفه، لكن غالبا ما يكون هناك بعض الانتعاش التلقائى في اللغة بعد تطوّر (الحبسة الكلاميّة).

نشوء الحبسة الكلامية (فقدان القدرة على الكلام):
يحدث هذا الفقد للقدرة على الكلام كنتيجة لتلف الدماغ، ومَنشأ هذا التلف الدماغي غالبا اضطراب في الأوعية الدمويّة، وأحيانا يُسمّى السكتة الدماغية (stroke) أو النزيف الدماغي (cerebral haemorrhage)، وفي المصطلحات الطبية يسمى: حادث الأوعية الدموية للأدمغة: CVA): Cerebral (=brains) Vascular (=blood vessel) Accident).

ومِن الأسباب الأخرى لنشوء (الحبسة الكلامية أو فقدان القدرة على الكلام) على سبيل المثال: الصدمة.. مثل تأذّي الأدمغة نتيجة حادثة طريق أو ورم فى المخ.. فأدمغتنا فى حاجة للأوكسيجين والجلوكوز للعمل.. وكنتيجة لنشوء حادث الأوعية الدموية للدماغ أو أحد الأسباب الأخرى، تتعطّل الدورة الدموية للأدمغة، وتموت خلايا الدماغ عند هذا الموقع.

في الأدمغة توجد كل أنواع المناطق مع اختلاف الوظائف، وبالنسبة لمعظم الناس تقع مناطق استخدام اللغة فى النصف الأيسر من الأدمغة، وحالة إصابة مناطق اللغة هذه فنحن نتحدث عن (الحبْسة الكلاميّة أو فقدان القدرة على الكلام).

ما المشاكل الإضافية التى قد تحدُث؟
نادرا ما يحدث أن يعاني شخص ما فقط من الحبسة الكلامية (فقد القدرة على الكلام)، كثيرا ما تتأثّر مناطق أخرى من الدماغ، ومن نماذج المشاكل الإضافية:
• حالة شلل نصفي (hemiplegic condition (hemi=half, plegic=paralysis)
وهذا يكون للجانب الأيمن من الجسم، للناس الذين يعانون من فقدان القدرة على الكلام، وسلوك العضلات على جانب واحد من الجسم يُؤثّر كنتيجة للعضلات التى لم تعد تتعاون بعد الآن.

• فقدان نصف البصر (hemianopsia, hemi=half, opsia=to see) حيث يرى معظم الناس ما يقع عند النصف الصحيح من أجسامهم، ولكن ليس الأشياء التى تقع عند جانبهم المتضرر.
• لا يعرفون بعد الآن كيفية القيام ببعض تصرفات معينة
apraxia, a=not, praxia=perform
تصرفات بسيطة مثل الحصول على الملبس والأكل والشرب، فجأة لا يمكن تنفيذها بوعي بعد الآن، فالشخص الذى يعانى من (أبراكسيا) لا يستطيع تنفيذها، على سبيل المثال لا يستطيع إطفاء شمعة إذا طُلِب منه/ منها ذلك (العمل الواعي)، في حين أنه/أنها تلقائيا يطفئ الكبريت الذى يمسكه إذا كان/ كانت فى خطر حرق أصابعه (ها).

• مشاكل فى الأكل والشرب والبلع:
• dysphagia - dys=not well, phagia=swallowing) بسبب تلف الدماغ تصبح عضلات البلع مشلولة وحساسة جدا أو حتى غير حساسة، وهذا يجعل الأكل والشرب مُهمة صعبة، بسبب الشلل وفقدان الشعور في جزء من الوجنة، ويمكن أن ينقّط اللعاب دون ملاحظة من جانب الفم.

• مشاكل الذاكرة:
عند تذكّر المعلومات تلعب اللغة دورا كبيرا، بسبب مشاكل اللغة تبدو الذاكرة مؤدّية بشكل أقل، لذلك نلاحظ فى الأسفل زوجين من مفتاح الكلمات، وهذا يجعل من السهل على شخص يعاني من (الحبسة الكلامية) أن يتذكّر الأشياء.

• التفاعل بشكل مختلف:
يتفاعل الناس أحيانا بشكل مختلف تماما مع الأحداث بعد المعاناة من السكتة الدماغية عمّا كانوا يفعلون من قبل، ويصبح التحكّم فى التعبير عن العواطف أكثر صعوبة، من الممكن لشخص أن يضحك ويبكي كثيرا، ويمكن أن يكلفه(ها) المزيد من الجهد لإيقاف ذلك.

• الصَرَع: Epilepsy
عندما تتعافي الأدمغة من الضرر، يتكوّن هناك نسيج ندبة في الأدمغة، تسبب هذه الندبة النسيجية أحيانا دائرة كهربية قصيرة (إن جاز التعبير) داخل الأدمغة، وكنتيجة لذلك يتشنّج الجسم وغالبا يعاني الشخص مشاكل تنفس ويفقد الوعي، ويستمر هذا الصرع فقط لدقائق قليلة، لكن غالبا يأتي بشكل غير متوقّع، ويكون الرُعب ضخما للشخص الذي يعاني منه تماما كما هو للأسرة.

هذه المشاكل التى ذكرناها ليست فى كل الأحوال كاملة، لأن أعراض (الحبسة الكلامية) والأعراض الإضافية مختلفة لكل كائن بشري، فالمشاكل المذكوره أعلى يمكن أن تحْدث مجتمعة مع (فقد القدرة على الكلام) ولكن ليس بالضرورة تحدث.

علاج الحبسة الكلامية( فقْد القدرة على الكلام):
يتم نقل كثير من الناس الذين يعانون من الحبسة الكلامية إلى المستشفى لبعض الوقت، وهذا يتم بعد حدوث تلف الدماغ، ويظل بعض المصابين بالحبسة الكلامية بعد مغادرتهم المستشفى فى حاجة إلى علاج إضافي، وليس من الواضح دائما مَن الذين يواصلون طلب المساعدة، لذا يُفضّل استشارة الطبيب الذي تم التعامل معه عن الاحتمالات في حالتك.

ويُعطي علاج الحبسة الكلامية بواسطة معالجين بالكلام، ومن حيث المبدأ فأي شخص يعاني الحبسة الكلامية مُؤهّل لعلاج الكلام، ومن بين أمور أخرى فإن فترة العلاج ترتبط بالتعافي من الحبسة الكلامية، ومع احتمالات وقوانين البلد الذي تعيش فيه.

خطوط إرشاديّة للتواصل:
بسبب الحبسة الكلامية تتغيّر الطريقة التى يفهم بها الفرد شيئا ما أو يعبّر عن نفسه، ويمكن للناس التواصل مع أي شخص يعاني من الحبسة الكلامية، من خلال أفضل استخدام ممكن لاختيارات التواصل المُتبقّية.

والفرد المُعاني من الحبسة الكلامية غالبا يفهم فقط الكلمات الأكثر أهمية مِن جملة، أي يفهم الكلمات الرئيسية، وفهم الأشياء عن طريق معاني الكلمات الرئيسية قد يسبب سوء فهم الرسالة بسبب تركيبة الكلمات الرئيسية والمعرفة العامة بالأشياء.

وأحيانا نعتقد نحن والمُعاني مِن الحبسة الكلامية أن كلا منّا يفهم الآخر جيدا، ثم يُظْهر أحيانا رد فعل لاحق أن هذا لم يكن الحال.

ما نحب قوله لمن يعاني الحبسة الكلامية:
• قبل كل شيء خذ وقتك فى المحادثة، اجلس بشكل مريح واجعل التواصل بالعين.
• إن كنت مفزوعا مِن المحادثة، فقُل شيئا بسيطا عن نفسك، ثم اسأل أسئلة تعرف أنت بالفعل الإجابة عنها.
• تحدّث ببطء وبجُمل قصيرة، وشدد على الكلمات الأكثر أهمّية في جملة.
• على المُتحدّث كتابة الكلمات الأكثر أهمّية، ويكرر الرسالة ويعطي مريض الحبسة الكلامية ما كتبه، ويستطيع استخدامها كتذكير أو وسيلة للتواصل.
• مساعدة بعض الناس الذين يعانون من الحبسة الكلامية مع مشاكلهم، للتعبير عن أنفسهم بالإشارة، بالتلويح، بالرسم، أو بالكتابة، واسأل عمّا إذا كان يستطيع الإشارة أو رسم أو كتابة أي شيء، وابحثا معا فى قاموس الجيب أو كتاب المحادثة.
إذا أراد مَن يعاني الحبسة الكلامية أن يخبرك بشيء:
أولا : يجب أن يكون واضحا مَن هو المَعنى، ما يحدث أو حدث، وأين احتمالية وقوع الحدث، من المهم توجيه الأسئلة الصحيحة، المبتكرة، والتصرّف بطريقة منتظمة قدر الإمكان، كأن تسأل أسئلة اختيار من متعدد، حيث يمكن ترتيب المسائل لنختار من بينها الأقرب لبعضها.

وسائل التواصل:
*- فى العديد من البلدان توجد كتب تشير بصور خاصة وكلمات ورسومات، ومن خلال الإشارة بالكلمات والرسومات يمكن توضيح ما يعنيه الفرد.
*-استشر طبيبك أو معالج الكلام عن أي من المعالجات الأخرى متاحة فى البلد.
*- وإن لم يكن الحال هكذا.. يمكنك عمل كتاب تواصل بنفسك.. وفيه يمكن تضمين الرسومات والصور والكلمات المهمة لمن يعانى الحبسة الكلامية.. وبهذه الطريقة يمكن مناقشة الأحداث والمشاعر.
*- عند التواصل مع من يعانى من الحبسة الكلامية عن طريق هذا الكتاب، يمكن النظر والبحث معا عن المفاهيم المهمة للمناقشة، مع الحرص على وجود قلم وورقة بمتناول اليد، حينئذ يمكن كتابة أكثر الكلمات أهمية من المحادثة تحت بعضها البعض، حتي يصبح من السهل متابعة وتذكّر محتويات المحادثة.

الصبر يقهر كل شيء:
وجود مناقشة مع مُعاني من الحبسة الكلامية يحتاج لوقت وصبر، لأنه بالرغم من النصائح المذكورة فيما سبق، فمن الممكن أن تظلّا لا تفهما بعضكما البعض، لذا دع الموضوع يستقر لبعض الوقت، وحاول في وقت لاحق مرة أخرى، حينئذ قد تكون أكثر نجاحا.
بذلك قد يتفادي مُعاني الحبْسة الكلامية العُزلة الاجتماعية.