الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمريكا تضغط بقوة على السودان للانحياز ضد مصر في ملف سد النهضة


انتابتني دهشة كبيرة وأنا أتابع تحرك أمريكا المفاجئ، في إبريل الحالي ، من أجل تدشين المرحلة الثانية للحوار الأمريكي السوداني بعد أن أثمرت المرحلة الأولى للحوار عن رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان منذ أكثر من 20 عاما .

و يرجع سبب دهشتي إلى سببين رئيسيين، أولهما : إختيار أمريكا لهذا التوقيت بالذات للإعلان عن بدء التحرك لإطلاق المرحلة الثانية من الحوار مع السودان ، و السبب الثاني هو ربط أمريكا بين إنطلاق المرحلة الثانية ، و موقف السودان من ملف سد النهضة الإثيوبي ، خاصة بعد النتائج الإيجابية لزيارة الرئيس عمر البشير لمصر ، في مارس الماضي .

فإذا تحدثنا عن الشق الأول، و هو توقيت التحرك الأمريكي ، سيظهر لنا بوضوح أن هذا التحرك تزامن في نفس يوم إنطلاق جولة المفاوضات حول سد النهضة التي جرت في الخرطوم ، عاصمة السودان، يوم 5 إبريل ، من الشهر الحالي بحضور وزراء خارجية مصر ، و السودان ، و إثيوبيا إلى جانب رؤساء أجهزة الإستخبارات، و وزراء الري في الدول الثلاث .

و بتحليل سريع لتزامن التحرك الأمريكي تجاه السودان وبدء الجولة الجديدة لمفاوضات سد النهضة، لن نجد إلا هدفا واحدا من وراء هذا التحرك، و هو أن واشنطن تعمل بقوة على التأثير على الموقف السوداني، لكي يميل من جديد لصالح الجانب الإثيوبي، بعد أن إتجه الموقف السوداني لصالح مصر ، كنتيجة مباشرة للزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السوداني ، عمر حسن البشير، لمصر في 20 مارس الماضي ، بعد فترة فتور في العلاقات المصرية السودانية ، بزعم تدعيم مصر للحركات المتمردة في إقليم دارفور السوداني .

و كشفت صحيفة "الإنتباهة" السودانية ، عن أن وزير الخارجية السوداني ، إبراهيم غندور ، تلقى إتصالا من وزير الخارجية الأمريكي بالإنابة ، جون سوليفان ، بخصوص الإعداد للمرحلة الثانية من الحوار الأمريكي السوداني ، مشيرة إلى أن الإتصال أولى إهتماما كبيرا بملف سد النهضة الإثيوبي .

و كانت المفاوضات الثلاثية بين مصر ، و السودان ، و إثيوبيا قد توقفت لمدة أربعة أشهر، بسبب تحفظات كلا من إثيوبيا د السودان على التقرير المبدئي للمكتب الإستشاري الفرنسي المكلف بتقييم الأضرار الإقتصادية ، و الهيدروليجية ، و البيئية ، لسد النهضة على دولتي المصب ، مصر و السودان، لا سيما الضرر المحتمل على حصة مصر التاريخية من مياه النيل ، و البالغ قدرها 5ر55 مليار متر مكعب .

و لو بادرنا بدراسة ما كشفت عنه صحيفة الإنتباهة السودانية ، سنجد أن إهتمام أمريكا بتناول مشكلة سد النهضة مع السودان ، يعكس سياسة أمريكا الرامية للتأثير على حصة مصر من مياه النيل ، و هي سياسة قديمة هددت بها أمريكا الرئيس الراحل ، جمال عبد الناصر، إنتقاما من قراره ببناء السد العالي بالتعاون مع الإتحاد السوفيتي، العدو اللدود للولايات المتحدة في ذلك الوقت .

كما أن نفس التهديد ببناء السد جاء بإيعاز من إسرائيل في 1979 ، غير أن الرئيس الراحل أنور السادات، هدد بضرب السد الإثيوبي ما دفع إثيوبيا عن التراجع عن بنائه . و لم تتمكن إثيوبيا من بناء السد إلا في فترة حكم الرئيس الإخواني ، محمد مرسي ، فقامت في 2013 ، بتحويل نهر النيل للمرة الأولى عن مجراه التاريخي لبناء جسم السد الذي يمكن أن ينزل الضرر بحصة مصر المائية ، على الأقل، خلال مرحلة ملء خزان السد البالغ سعته 74 مليار متر مكعب و خلال ضعف الفيضان .

و إذا كان المخطط الصهيوني الأمريكي ، الخاص بدول الشرق الأوسط ، يدرك أنه من المستحيل تفتيت مصر إلى دويلات، كما حدث في العراق ، و سوريا ، والسودان، نظرا لقوة الجيش المصري ووطنية المصريين ، إلا أنه يدرك أيضا أن إضعاف القدرات الإقتصادية لمصر يعد السلاح البديل لتنفيذ مخطط " الفوضى الخلاقة" التي تستهدف زعزعزة إستقرار الدول العاصية على التقسيم و التفتيت .

و يكفي هنا للكشف عن أهمية الإغراءات، التي تقدمها الولايات المتحدة للسودان و للرئيس عمر البشير شخصيا، في إطار المرحلة الثانية للحوار الأمريكي السوداني ، لكي ندرك مدى قوة الضعوط الأمريكية للتأثير على موقف السودان حيال مفاوضات سد النهضة الإثيوبي . و تجدر الإشارة ، إلى أن المرحلة الأولى من الحوار ، أسفرت في أكتوبر 2017 ، عن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ، عن رفع العقوبات الإقتصادية التي فرضتها أمريكا على السودان منذ 1997 ، بسبب دعمها للإرهاب ، ما سبب خسائر للإقتصاد السوداني قدرتها الحكومات السودانية المتعاقبة بنحو 500 مليار دولار .

و تقدم أمريكا في المرحلة الثانية للحوار مع السودان إغراءات أكثر جاذبية من إغراءات المرحلة الأولى ، فهي تتعلق برفع إسم السودان من على قائمة الدول الراعية للإرهاب، و هو الإتهام الذي وجه للسودان منذ أن فتح السودان أراضيه في التسعينات من القرن الماضي لإيواء ،أسامة بن لادن ، زعيم تنظيم القاعدة ، خلال سيطرة الإخوان المسلمين ، بزعامة حسن الترابي، على سياسة السودان داخليا و خارجيا .و يعني رفع إسم السودان عن الدول الراعية للإرهاب إسقاط الإتهام الذي وجهته المحكمة الجنائية الدولية للرئيس عمر البشير ، بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية ، و الإبادة الجماعية ، لأبناء إقليم دارفور، الواقع غرب السودان، و الذي تقدر مساحته بما يقرب من 400 ألف كيلو متر مربع( أقل قليلا من نصف مساحة مصر ) و يمتلك ثروات من البترول ، و الذهب ، و اليورانيوم، فضلا عن الثروة الزراعية، و الحيوانية الكبيرة .

المعروف أن مخطط تقسيم السودان، لا يكتفي بتقسيمه إلى دولتين ، كما حدث في 2011 ، بإنفصال جنوب السودان عن السودان ( جنوب السودان مساحته 500 ألف كيلو متر تقريبا ) و لكنه يشمل أيضا ، فصل إقليم دارفور، في إطار مخطط تقسيم الدول العربية إلى دويلات على أسس دينية ، و عرقية، و قبائلية .

و كانت المحكمة الجنائية الدولية ، أصدرت مذكرتي إعتقال بحق البشير في عامي 2009 و 2010 ، و يعني ذلك ، إجبار أي دولة يزورها البشير، على المبادرة بإعتقاله فور وصوله لأراضيها و تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ، و إلا تعرضت لعقوبات دولية . يذكر أن مصر كانت أول دولة يزورها البشير بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية بحقه في 2009 ، لكن أحدا لم يستطع إجبار مصر على تسليم البشير ، لعدم إنضمام مصر إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية .

و لكن هل ستقف الإغراءات الأمريكية في إطار المرحلة الثانية من الحوار الأمريكي السوداني عند رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ ... بالقطع لا ، فهي تشمل أيضا العمل على إسقاط ديون السودان الخارجية التي تقترب من 50 مليار دولار ، فضلا عن وعود بتدفق الإستثمارات الأمريكية و الأوروبية على السودان ، الذي يعاني من مشاكل إقتصادية خانقة أدت مؤخرا إلى تراجع سعر الجنيه السوداني ليصل إلى 30 جنيه في مارس 2018 مقابل 18 جنيها فقط في يناير 2018 .

و لكن هل يخضع السودان للتهديد و الترغيب من جانب أمريكا فقط ، أم أن لإثيوبيا ، جار السودان المباشر، دور في دفع السودان للإنحياز للجانب الإثيوبي في قضية سد النهضة ؟ الإجابة هي أن إثيوبيا تمكنت من إقناع السودان بأن من مصلحته دعم موقفها من سد النهضة نظرا لإحتياج السودان للكهرباء ، لكن هذا يحتاج لمقال آخر ، خاصة و أن إسرائيل هي التي تقف وراء هذا الملف .

و لا يمكن مع ذلك ، أن أختم هذا المقال، من دون الإشارة إلى أنه لولا سيطرة الإخواني ، حسن الترابي، على تسيير شئون السودان، ما طالب أبناء جنوب السودان بالإنفصال عن السودان . فقد أصر الترابي على تطبيق الشريعة الإسلامية على الجنوب المسيحي ما أدى لإنفصال الجنوب في إستفتاء شعبي جرى في 2011 . و بالمثل لولا شعور إثيوبيا بضعف مصر و جيشها عقب ثورة 25 يناير 2011 و سقوط مصر في براثن حكم الإخوان المسلمين ، ما تجرأت إثيوبيا على بناء سد النهضة الذي ورثه الرئيس عبد الفتاح السيسي .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط