الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«خليكي زي لوزة».. قصة سيدة حطمت عادات قريتها بالصعيد لتعليم بناتهن.. صور

صدى البلد

بضفيرتها وابتسامتها، أماني تحملها الطفلة "لوزة" في الثالثة عشر من عمرها، إلى عالم في خيالها، لتصطدم الصغيرة بواقعها الذي تعيشه، ويجبرها والدها على التوقف عن حلمها بالذهاب إلى المدرسة والزواج، لتظل "لوزة" حبيسة الجدران بين جهل وعادات وتقاليد عفى عليها الزمن، حتى تخرج بكل جرأة محطمة هذه الحواجز.

في قرية بني عدي بمركز ناصر بمحافظة بني سويف، اقتصر التعليم هناك على أولاد القرية فقط، فكانت الفتيات الأقل حظًا يجبرن على عدم إكمال تعليمهن، وفقا لعادات وتقاليد أهالي القرية.

ويشاء القدر أن تولد لوزة كامل محمد في هذه القرية، وسط عائلة بسيطة من منزل ريفي، لتكون فتاة وسط 10 أبناء، اعتمد الأب البسيط على تعليم أولاده السبعة فقط، فيما منع فتياته الـ3 من إكمال تعليمهن.

"كنت صغيرة وبلعب قالولي هنجوزك ابن عمك" مرحلة جديدة تدخلها الطفلة لوزة، ليزوجها والدها وهي في الثالثة عشر من عمرها، لتقع في براثن زواج القاصرات بدلا من حياة مفروشة بالطموحات، لتبدأ الطفلة حياة جديدة، فبدلا من اللعب مع صديقاتها بأدوات المطبخ، تصبح الآن مسئولة عن منزل كامل فتتحول لعبتها إلى واقع تعيشه.

وبعد سنوات من الزواج، كبرت لوزة وأصبحت أكثر تفتحا ووعيا، ولاحظت زوجات أصدقاء زوجها يختلفن عنها، ليس في الجمال والأناقة بل في التفكير والثقافة، فبدأت في البحث عن طريقها لمحو أميتها، من الصفر، وذلك في عمر الثمانية والعشرين عاما.

حصلت الفتاة الريفية البسيطة على الشهادة الإعدادية بنظام المنازل، لتلقى هجوما عنيفا من أسرتها وجيرانها، تحملت السب والقذف والإهانة خلال مشوارها التعليمي، تصف لوزة معاناتها قائلة: "عمي وأهلي قاطعوني وأمي قالتلي خليكي في بيتك وجوزك.. تعليم إيه بعد ما كبرتي وبعد العمر ده كله".

"جوزي قالي ملكيش دعوة بحد خالص، أنا معاكي لحد الآخر لا تراجع ولا استسلام لحد ما توصلي"، هكذا وصفت لوزة تفكير زوجها الذي ساندها خلال مشوارها التعليمي، فكان الزوج البسيط يدخر مبلغا كل شهر من مرتبه المتواضع لمساعدة زوجته في دفع ثمن دروسها الخصوصية، غير مباليا بهجوم القرية عليهما، حيث لا يطمح سوى بتحقيق حلم زوجته الذي اعتبره حلمه أيضا.

وكان لهيئة محو الأمية وتعليم الكبار في بني سويف دور كبير في تشجيع الفتاة الريفية في استكمال مشوارها التعليمي وتكريمها بعد كل خطوة تحققها، لتتخرج لوزة أخيرا في كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة الفيوم.

وتابعت قائلة: "كنت عايشة حياة ضلمة اتغيرت 180 درجة بالتعليم، عيلتي كلها بعدما قاطعتني بقوا فخورين بيا"، أمهات القرية بعدما كانو يعتبرون لوزة فتاة منبوذة ويبعدون أطفالهم عنها، أصبحت لوزة الآن هي مثلهم الأعلى، تحرص كل أم على تعليم فتياتها ليصبحن مثل لوزة.

وبعد تكريم محافظ بني سويف لـ"لوزة" وتعيينها في مركز القرية، أصبحت لسان حال قريتها "الناس في البلد كلهم بقوا يقولوا شوفوا لوزة بقت إيه، خليكو زي لوزة"، مشيرة إلى أنها أحدثت ثورة في تعليم فتيات قريتها، لتكون هي أول فتاة تحصل على بكالوريوس جامعي في قريتها، ولم تكتف بذلك بل استكملت مشوارها وحصلت على الماجستير.

واليوم، لم تعد لوزة الفتاة العشرينية كما الماضي، فهي قطعت مئات الكيلومترات من بني سويف للقاهرة، لتتكرم وهي في العقد الرابع من عمرها، في المنتدى السنوي الثالث للمبادرة العربية للتمكين الاجتماعي والاقتصادي للمتحررات من الأمية، تحت عنوان "تعليم الكبار والتعلم مدى الحياة في الصحافة المصرية"، والذي نظمته جمعية المرأة والمجتمع وهيئة تعليم الكبار ومحو الأمية، بكل فخر برفقة زوجها ليتوجان بدرع رحلتهما التعليمية.