الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ع الأصل دّور !!


جمعتنى بصديق عزيز جلسة يواظب على دعوتنا نحن أصدقائه منذ فترة ليست بالقصيرة، وفى هذه الجلسة التى دعانا إليها فى واحد من أكبر مطاعمه التى يمتلكها، والتى نعترف له كلنا اصدقاء الجامعة والكلية بأنه كد وتعب حتى يصبح ما أصبح عليه الآن .

وصديقنا هذا مع أنه خريج كليتنا الجميلة كلية الاعلام إلا انه لم ينضم للسرب الإعلامي الذى تفردت فيه دفعتنا المميزة، والتى من بينها جهابذة وكلنا فخر بأننا جمعتنا معهم محاضرات وتأملات وآمال مشتركة.

صديقنا هذا كان عقل تجارى وذكاء اقتصادي ، ايام الجامعة كان شعلة نشاط متوهجة عقله كما لو كان آلة حاسبة ،فى ثوان معدودات يطرح ويجمع ويقسم ويعد لأي رحلة ويوضح لي بوصفى المقربة إليه لأنني كنت بمثابة أخته التى حرمه الموت منها فكان يعتبرنى هدية ربه له ليعوضه عن فقده الأليم ، يوضح مكاسبه من الرحلة وكله فخر بذكائه الفطري.

أخذتنا الدنيا وأخذت منا الكثير ولكنها لم تنه علاقة الصداقة والاخوة بيننا وصرنا نحرص على لقاء من حين لآخر وان قل فيه الحضور .

التقيته وكان كما هو متفائل مقبل على الحياة سعيد بنجاحه وبعدد مطاعمه المتنامى وبسمعته الصالحة فى سوق رجال الأعمال ..عندما رآنى علم ان ثمة أشياء سلبية جدت على حياتى ولم يسألنى لأنه يستشف ما بداخلي بحكم سنين طويلة من الصداقة والأخوة ، قال لى اسمعي ما أحكيه لكى جيدا.

وبدأ فى حكايته وتحدث عن عالم المال والأغنياء ودنيا التحول من الفقر المدقع الى الغنى الفاحش، وكلما قص لى المزيد من عالمه الذي جعلنى أشفق عليه مما تحمله واحتمله .. انتهى من سرد حكاياته الشيقة المخيفة فى وقت واحد ، فتخيلت انه نسى الهدف من حكاياته لى وبأنه لم يصل مباشرة لنقطة حواره التى ألمح لها فى أول سرده، وقبل ان أهم وأبادره وربما أعتب عليه لأنه أهمل ما لمسه من تعب وقلق لدى ، قبل ذلك بادرنى وقال لى اسمعى ما سأقصه عليكى جيدا.

فى ليل من ليالي الشتاء قارصة البرودة وانا فى مرحلة ما بعد الغنى وفيها أسعد بأن أباشر اعمالى واتابع مطاعمى المنتشرة ومطعم الدقى كانت له معزة خاصة عندى لأنه بداية اقتحامى عالم البيزنس، وفى هذا الليل القارص وانا اهم بالخروج والعودة الى منزلى واولادى ،وجدته جالسا متكوما من البرد قريبا من مطعمى ففزعت وقلت له وقلبى يتقطع :مالك ؟ايه اللى مقعدك كده ؟
فأجابني انه لا يملك مالا ولا مكانا ولا طعاما والبرد يأكل أوصاله اكلا.. فجذبته من الأرض وقلت له وكلى خوف عليه ورفقا به : ادخل معى الى المطعم .. وعدت ادراجى به الى داخل المطعم وأمرت بأن كل مايريده يعد فورا ، واكل الرجل بنهم ورايت فى عينيه انه يريد المزيد فأمرت الموظفين بأن يعدوا له أضعاف ما أكل ويأخذه معه ، وخرجت معه فوقف محملا بما لذ وطاب ولكنني رأيته لايستكمل طريق عودته فسألته لماذا لا تعود الى منزلك ؟ فأجاب بأنه لايوجد معه مال ليركب اى مواصلة للعودة الى بيته فى بين السرايات ، وبالطبع أعطيته مائة جنيه لن انساها ابدا لانها فى هذا الزمن كانت تبنى بيتا وتقيم قواعده ..

شكرنى الرجل وانصرف وللحق كنت سعيد اننى وهبت فرحة لمتشرد ورفعت وجهى للسماء ودعوت ربى بأن يتقبلها وتكون فى ميزانى وفداء لاولادى من أذى البشر ..عدت الى منزلى سعيدا كعادتى كلما اعطانى الله رزقا ليؤكد لى ان الرزق يزداد بالصدقات والحسنات ، وفى نومى كانت احلامى بلون سعادتى ،وفى الصباح فوجئت باحد العمال عندى يقول لى وهو فزع :حضرتك مطلوب فى قسم الدقى ، ولاننى اتقى الله فى كل صغيرة وكبيرة فلم اصدق ما قاله وتساءلت بحدة غير معتادة منى معهم سألته : حد عمل حاجة غلط؟ قولوا عشان اعرف ،فأقسم بكل الايمانات ان الامر يخصني أنا وليس اى احد من العمال .. خرجت لأولادى وزوجتى بنت الاصول وفى داخلى سؤال هل احد منكم لديه اية صلة بموضوع القسم هذا ؟ولكننى لعلمى بطبيعة زوجتى واصلها الجم وتربيتها الفريدة لاولادى ، تراجعت عن سؤالهم وذهبت الى القسم مباشرة وهناك وجدت الضابط المسؤول يؤكد لى اننى المعنى بالسؤال وبأن شخص ما يشكوك لانك سرقته عندما كان يتناول عشاءه بالأمس فى المطعم وبأنك لم تعطه باقي أمواله ..
وأشار إلى شخص جالس أمامه وهلعت عندما وجدته من استضفته بالامس وأغدقت عليه من خير الله علىَ وعلى اسرتى الفقيرة الى الله ، ولاننى كنت قد خبرت الحياة وأدركت ان وضعى يجعلنى أحافظ على اسمى فى السوق فأمنت على كلام الضابط وقلت : كل ما ذكرته صحيحا ولكن لدى تصحيح واعتذار ، فأنا لم آخذ الباقى ولكن زحمة العمل انستنى ذلك فمعذرة وهاهى باقى ما دفعته، واعطيته باقى مئة جنيه اخرى ،وقام الضابط بشكرى وعينه كانت تقول لى بأنه لا يصدقني وان الآخر كاذب ،بل انه اقترب منى وقال لى :انت راجل محترم ولو متمانعش احنا نقدر نجيبلك حقك ،وهنا اقسمت كذبا بأننى بالفعل نسيت ..

وانتهت جلسة القسم بتنازل الشاكى وبتصالح المشكو فى حقه ..وخرجت من القسم وهو بجوارى ولا تظهر عليه اي علامات ندم او أسف او حتى خجل ، لأسأله وكلى شغف لمعرفة تفسير واحد لما عمله معى ..وجاءت اجابته صاعقة لى لتكون بعد ذلك دواء وعلاج لأى مشكلة تحدث لى ،فقال وهو راضى عن نفسه كل الرضا:يابيه كل واحد بيعمل بأصله ؛وانت اصيل وكنت متأكد انك هتعمل كده ومش هتقول غير اللى قلته، إنما أنا خسيس وابن ...
ومش كده وبس يا بيه انا عارف ان لو الموقف اتكرر معايا او مع غيرى برده هيكون سلوكك نفس السلوك لانك اصيل وبالعكس تماما انا لو اتكرر الموقف منك او من غيرك هعمل نفس اللى عملته ..وانتهى صديقى من حكايته ونظر لى وبنظرته أدركت مايريد ان يقوله لى ما يرمى اليه وما يريد ان يعلمنى إياه وما يدرك به الرد على كل ما ذكرته له وعن تساؤلى له لماذا نصيبي فى الحياة شرا مقابل خير وطيبة مقابل كره ...لم اعقب وأدركت المغزى وعدت وأنا على قناعتين أولهما ما قاله بأن كل واحد بيعمل بأصله وثانيهما وآخرهما ان الصداقة اجمل مافى الحياة...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط