الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كواعب أحمد البراهمي تكتب: رسالة إلى وزير الأوقاف

صدى البلد

سأقول وجهة نظري الخاصة في كيف نجدد الخطاب الديني، وأتمنى أن أكون على حق، فبعد أن أصبحت الخطبة موحدة في كل مساجد مصر، أصبح الموضوع سهلا في توجيه الخطاب الديني، ولكن ما هذا الخطاب الذي لابد أن يوجه للشعب المصري؟ ما المهم في زمن أصبح فيه البشر لا يعرفون ما هو الحرام؟ وما هو المكروه؟ وما هو الجائز؟ ما هو الخطاب في انتشار الخزعبلات على النت، ومنها ألعاب دموية، ومنها أفكار وجماعات لا تمت للدين بصلة.

ازداد العنف والسوء لأن الشباب لم ينشأ على أن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ازدادت القسوة لأنه لم ينشأ على أن ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم (ولم يحدد الحديث ديانة الجار ولا جنسه)، ازداد الحقد والحسد لأن كل إنسان لم يرض بما قسمه الله له، ويقارن نفسه بالآخرين ولا يرتضي بنصيبه، ازداد الفشل لأننا لم نعمل بالحديث إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، ازدادت عدم البركة لأننا أصبح همنا كيف نضحك على صاحب العمل أو على الدولة ونتحصل على الراتب دون بذل أقصى جهد، حقيقة أستغرب ممن تذهب إليهم في مصلحة حكومية فتجدهم متأففين ولا يريدون أن يفعلوا شيئا وكأنك تستجدي منهم العمل.

لقد أصبح بعض الشباب يفطر في رمضان جهارا ودون أدنى مسئولية ولا خوف من الله ولا حياء من البشر، أصبح الناس يقسمون بالله أيمانا مغلظة ودون معرفة ما عقوبة تلك الأيمان، منذ فترة كنت أشتري شيئا من السوق وظل البائع الشاب يقسم بالله العلي العظيم أن مكسبه كذا، وقلت له: "الموضوع لا يستحق إطلاقا تلك الأيمان". الكثيرون جدا لا يعرفون أن اليمين الكاذبة يهتز لها عرش الرحمن، وأنه توجد يمين غموس تغمس صاحبها في النار إذا أقسم وهو كاذب.الكثيرون جدا لا يعرفون أن حقوق الناس التي يأخذونها سوف يأتون يوم القيامة مكبلين بها، وأن الله مهما فعلوا ومهما استغفروا لن يغفر لهم تلك الحقوق التي أخذوها من أصحابها، إلا إذا تسامح أصحابها.

يوما ما كنت بمطار الدوحة (ترانزيت) ووجدت فتاتين تقريبا سنهما في العشرينات وتسألان بعضهما البعض ما عدد ركعات صلاة الظهر، هل أربع ركعات أو اثنتين أو ثلاثة؟ وتدخلت في الحديث وأجبتهما عن صلاة الظهر وصلاة القصر.

أمهات كثيرات يصلين ولا تقول لابنتها إن حديثها عن صديقتها خلف ظهرها حرام، وإن الغيبة كمن يأكل لحم أخيه ميتا، بل وربما تشاركها الحديث عن الناس.

كثيرون جدا يتحكمون في أخواتهم وزوجاتهم من باب التحكم وفقط، ولكنهم لا يتحكمون في أنفسهم في النظر للفتيات وفي الإساءة إليهن، سواء بمصاحبتهن أو الحديث عنهن.

كثيرون الأزواج الذين يتعاملون مع زوجاتهم دون رحمة، ولا يجدون من يذكرهم كيف كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يساعد زوجاته.

إن تجديد الخطاب الديني يكون بالعودة إلى شرح وتفسير كل ما كان يحدث مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومع الصحابة والجيل الأول من التابعين، كيف أن الرسول صل الله عليه وسلم قال عنه زيد بن حارثه إنه عاش معه ولم يسأله يوما عن شيء فعله لما فعلته أو شيء تركه لما تركته، في وقت يسيء الناس لمن يخدمونهم بكل وسائل الإساءة والاحتقار وعدم الرحمة يكون بذكر سيرة الرسول مع زوجاته وخدمته لهن وكيف أنه جلس على الأرض وشبك يديه وجعل زوجته تضع رجلها وحذاءها على يده الشريفة لتصعد على الجمل، وكيف كان يتسابق مع السيدة عائشة، وكيف كان يحترم أهل زوجاته، وكيف كان يوصي ابنته السيدة فاطمة بطاعة زوجها.

كيف أنه يوما غضب عندما كان أحد الصحابة بالمعنى الدارج يهزر مع صديق له وأخافه، فغضب الرسول وكرر كلمة "أروعته أروعته"، وأن من يفزع الآخرين حرام، ونحن في زمن أغلب الألعاب ترويع.

يكون بشرح الحديث أنه ليس منا من لم يوقر (يحترم) كبيرنا ولم يعطف على صغيرنا، في زمن أصبح الجلوس والحديث أمام الأهل والجار والقريب الأكبر سنا ليس فيه أي تقدير.

والحديث الشريف عندما مر على بائع يضع الأفضل من البضاعة فوق ويخفي الأسوأ كما يحدث حاليا من البائعين فقال له: "من غشنا فليس منا"، والغش أصبح في التجارة وفي المدارس، وفي المأكل والمشرب، ولابد أن يعرف الشخص أن كلمة "ليس منا" أنه يخرج من دين الإسلام.

تجديد الخطاب الديني بأن الرحماء يرحمهم الرحمن، وأن من مات دون أرضه فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد ومن مات دون ماله فهو شهيد، وأن الإنسان يجب أن يحافظ على أرضه وعرضه وما يملك ويموت في سبيل الدفاع عنهما، فيمت شهيدا.

تجديد الخطاب الديني بأن يعرف الإنسان ما هي المؤازرة، فعندما مرضت السيدة عائشة في قصة حديث الإفك، روت أن أمرأة من الأنصار جاءت إليها واحتضنتها وبكت دون كلام، فقالت السيدة عائشة "والله لا أنساها لها أبدا".

تجديد الخطاب الديني بشرح مواقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع الكفار رغم أنهم أذوه، وكيف كان يتعامل مع الصغير والكبير والفقير والغني والضعيف، وإعلاء قيمة التسامح، وبشرح كيف أن بعض الصحابة تصدقوا بأغلب أموالهم وهم راضين لأن المال يذهب لله، وبشرح الحديث أن الصدقة تداوي المرضى وأن الصدقة تطفئ غضب الرب من أجل أن نعيش في مجتمع متكافل متعاطف متحاب، وأن نقول للناس كيف أن الله عاتب عبدا في الحديث القدسي لأنه لم يعوده فقال العبد: "كيف أعودك يا ربي وأنت رب العالمين"، فقال الله له لو عدت فلانا (أي زرته وهو مريض) لوجدتني عنده، وأن الأعمال كلها ترفع لله إلا الذين بينهم خصومة.

الدين كله جديد، ولكن نحتاج لمن يوصل المعلومة، ونحتاج من الدولة إتاحة الفرصة لكل المؤهلين من أئمة المساجد بالتواجد في فترة محددة للحديث مع الناس والإجابة عن تساؤلاتهم، طالما توجد كاميرات مراقبة فلا قلق.

ولكن القلق الحقيقي أن الناس تدخل على النت فتستمع للمتطرفين أو لأهل الشعوذة، أو لذوي الأفكار الخاطئة، فيكون وبالا على مصر كلها، لأن الجيل الذي لا يعرف ربه ولا دينه لن يعرف أهله ولا وطنه، نحن في فترة لحظات فارقة تملؤها أفكار غريبة، لقد أصبح الناس يقبلون الأراضي من أجل التقرب لله، ويتركون ما أمر الله به في التعامل والمعاملات، أصبح المد الشيعي من جهه والتطرف من جهه والعولمة والدعوات للإلحاد من جهة.

إن الحق أحق أن يتبع فالمسئولية جسيمة، والوطن والمواطنون يستحقون ويحتاجون لمن ينير لهم الطريق.