الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: مناشدة إلى وزيرة التضامن‎

صدى البلد

لم أكن أتخيل أننى سأناشد وزارة في يوم من الأيام، ولكن ما تعرضت له منذ أيام قليلة ماضية يدفعنى إلى المناشدة بأعلى صوت، فالأمر لن يحله مسئول أو موظف، ولكن يتطلب سرعة التدخل من جانب الوزيرة الدكتورة "غادة والي" للنظر في أمر ذوي الاحتياجات الخاصة وما يعانوه من أجل الحصول على حقوقهم.

فقد ذهبت إلى المجالس الطبية لإجراء الكشف الطبي المخول للسيارات المجهزة، وعندما وصلت في الميعاد المحدد وبعد إجراء سلسلة من الإجراءات التي لا تنتهي، أشار لي أحد الموظفين لإجراء الكشف في الطابق الثانى من المبنى، وعندما توجهت إلي المصعد اكتشفت أنه معطل .

ويبقي السؤال: هل من المعقول أن يكون الاسانسير معطلا في مبنى -من المفترض -أن مستخدميه من ذوي الإعاقة؟!
وما المانع من أن تكون غرفة الكشف في الطابق الأرضي سواء في حالة وجود الاسانسير أو عدمه؟!
وبعد العبور بكثير من المتاعب والمصاعب، استطاعت الحالات أن تصل إلي المكان المنشود، وعندما بلغنا المكان اكتشفنا أن الطاقم الطبي لم يصل بعد وعلينا الانتظار بعض الوقت، استجبنا للتعليمات وأخذ كل منا مكانه في انتظار الأطباء.

وهنا يأتى السؤال التانى: كم استغرق مدة الانتظار؟!
فقد انتظارنا ما يقرب من 5 ساعات، وكلما حاولنا الاستفسار عن سبب التأخر، كان يأتينا الرد بحالة من الاستهزاء والسخرية، مما جعلنا نلوذ بالصمت حتى لا ينالوا علينا بسياط من التهكم أكثر من ذلك.

وعندما وصل الفريق الطبي، شعرنا أنه لم يعد يتبقى الكثير على مغادرة المكان، ولكن هيهات فقد انتظارنا أكثر من المدة التى مرت، وكان السبب وراء ذلك هو قيام إحدى السيدات بالسؤال عن دورها في الكشف لكي تحدد موعد دخولها، وجاءها الرد كالرصاصة التى فتكت بكرامتها وجعلت كبرياءها يسيل دما، عندما اخبرها أن السيدات سيتم وضعهم في آخر الكشف عقابًا لها حتى لا تسأل مرة أخرى، ووقف في منتصف المكان حتى يسمعه الجميع ليخبرنا أننا آخر من يدخل هذه الغرفة -مشيرًا إلى غرفة الكشف- وحتى وإن كنا اول الحاضرين، فعندما يغادر آخر رجل ستبدأ دخول اول سيدة.

لا بأس فقد انتظارنا الكثير سيمضي الوقت كما مضي من قبل، فأعيننا تارة علي عقارب الساعة التى كانت تتحرك حينها كالسلحفاة، وتارة أخرى على أماكن الرجال التى كانت تفرغ ببطء مرير... ولك أن تتخيل بنتان وثلاث سيدات في انتظار انتهاء الكشف على أربعين رجلا.

ولك أن تتخيلهن عندما راقبن آخر رجل يخرج من المكان وفي انتظار سماع اسم أول فتاة.

ونظرًا لصغر العدد مقارنة بالرجال وتأخر الوقت أيضًا، دلفت الخمس حالات غرفة الكشف مع بعضهن البعض.. وكانت المفاجأة!
أن الطاقم كله لم يتحرك ساكنًا، وكان الكشف عبارة عن أسئلة عن أسمائنا والتأكد من البيانات، والمثير للدهشة أن التشخيص واحد لا يتغير، فمثلا الحالتان اللتان كانتا يجلسان على الكراسي المتحركة كان تشخصهم واحد وهو "شلل في الأطراف الأربعة" رغم أن كلتاهما لها تشخيص مختلف في شهادة التأهيل إلا أن الطبيبة سجلت النتيجة النهائية أنهما لا يصلحان دون أن تكلف نفسها ثوانى لتتحرك من أمام مكتبها لتقوم بالكشف، ورغم أن إحدي الحالات حاولت أن تشرح لها أنها قد اجتازت الامتحان منذ 5 سنين وأنها لم تكن المرة الأولى لها، ورغم أن السيارة كانت بالخارج وملحق بها الجهاز وطلبت منها التوجه إليها، ورغم أنها رأت أيدينا تتحرك اتجاهها لإعطائها إثبات الشخصية، إلا أنها صمت أذنيها عن هذا الكلام، والجدير بالذكر ان باقي الفريق الطبي قد تدخل مؤيدا لكلامى، إلا أنها أصرت علي رأيها، زاعمة أنه قد يطرأ تغير على الحالات.. كيف لاحظت التغير وهي لم تخط اتجاهنا خطوة واحدة، فإذا كان الكرسي المتحرك لم يتغير ذاته! فكيف إذن ستتغير الحالة!

وما هو التغيير الذي ترمي إليه تحسن أم تدهور؟! فأغلب الحالات على الوضع الذي نشأت عليه أو طرأ عليها في حالة التعرض لحادثة، فكما لاحظت أنه لم يحدث تحسن واضح، فهي أيضا لم تلحظ التدهور الذي يجعلها ترفض تصريح السيارة المجهزة.

وما ذنب الحالات أن يقع مصيرها بين مؤيد ومعارض، فإذا كانت هناك وجهات نظر متفاوتة، فلماذا لا يكون الفيصل الكشف العملي أو التطبيقي الذي من شأنه استخدام مقود السيارة أمام اللجنة وغيرها من أدوات السيارة لتكون وحدها المنجية للحالة وليست كلمة تكتب بخط إنسان.

فكل ما يدور حولك من تعنت وتعسف يجعلك تعرف نتيجتك قبل الخروج فأنت ليس بحاجة إلى انتظارها فقبل أن تتجاوز العتبة لدخول تشخيصك مكتوب وإذا بذلت قصاري جهدك لكي تثبت انك من المستحقين أعطت إذن لمساعدها بأن يسحب الكراسي المتحركة للوراء لكي تكون بعد خطوتين خارج الغرفة تمامًا.

يبدو أنها رأت أن المواصلات العامة أكثر راحة ورفاهية لنا من السيارات المجهزة مما دفعها إلى رسوب أغلب الحالات التى قد اجتازت الامتحان أكثر من مرة في المرات السابقة.

ويبدو أنها شعرت أن وزارة النقل قد جعلت المعاق من ضمن أولوياتها حينما رفعت سعر تذكرة المترو من أجل توفير مواصلات مخصصة له.

كل الوزارات دون استثناء تحتاج إلى مناشدة، فحال التلاميذ ممن ينتمون إلى ذوي الاحتياجات الخاصة يرثي له داخل المدارس، فالطالب الجامعي يواجه صعوبات كثيرة داخل الجامعة بمختلف الإعاقات سواء سمعية أو بصرية أو ذهنية أو حركية.

فنحن لن نتطرق إلى الوظائف الحكومية التى لم تأت بعد، ولا عن معاش التكافل والكرامة الذي لم يصرف حتى الآن، ولا عن المواصلات العامة التى يشكو منها الأصحاء فما بالك بالمعاقين، ولا عن الأماكن العامة التى تخلو تماما من الأماكن المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ولا عن الصعوبات التي يواجهها المعاق منذ أن يغادر بيته حتى عودته. فنحن تطرقنا إلى سيارة مجهزة تجعله ينتقل بها من مكان لآخر بسهولة ويسر، ولكن المجالس الطبية قد أصدرت حكمها أن تنضم السيارات المجهزة إلي سلسلة المعاقل التى يواجهها المعاق.

فمن المعيب بعد كل هذا التعب والمعاناة الذي يتعايش معه ذوي الاحتياجات الخاصة أن يطل علينا المسئولون على شاشات التليفزيون ليتحدثوا على مدار ساعتين وأكثر عن عام ذوي الاحتياجات الخاصة وعن اندماجهم في مختلف المجالات وانخراطهم في المجتمع، فوظائفهم حتى هذه اللحظة حبر علي ورق، ومعاشهم لن يخرج عن مجرد طلب موجود في أدراج مكاتب الموظفين.

لقد كتبت كثيرا عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وعن وهم وظائفهم، وعن الوعود الواهية بشأن معاشهم ، واليوم تحدثت عن سياراتهم المجهزة، فلن يرتفع سقف توقعاتى عن أنه سيضم إلى المقالات السابقة، أو علها تخيب ظنونى هذه المرة ويقع بين يدي من يهمه الأمر.