الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد أبو المعارف يكتب: الأزهر وعصر النبوة والخلافة الراشدة

صدى البلد

لا شك أن الدين الإسلامى يحظى بمبادئ، وقواعد، وضوابط، وثوابت، من المفترض أنها لا تتغير بتغير الأزمان ولا تعتبر بما يتغير ويتطور من ثقافات الشعوب على مدار تعاقب الأزمنة فى كل الأمصار على كل بقعة من بقاع تلك المعمورة التى شيدها الله تعالى وفق مراده وغاياته من نشأتها، فقد شيد الله تعالى بناء الدين الإسلامى على محورين هما أصلاه اللذان تدور حولهما مدارات الأوامر والنواهى التى تنطلق وتعود إليهما، على اعتبار أن ذلك هو المفهوم من الدين بالضرورة وما صار على مقتضى الفهم الذى فهمه كل الأجلاء من العلماء المعتبرين عبر كل العصور بدءا من فجر النبوة ، والخلافة الراشدة، حتى عصرنا الحديث انتهاء بزوال تلك الأرض ومن عليها.

وهذان المحوران هما: محور العقيدة التى منتهاها تنظيم وترسيخ جوانب العقيدة بين العباد ومفردات تلك العقائد من إلاهيات، ونبوات، وسمعيات ألخ، والثانى هو: محور الشريعة التى تنتظم سلوكيات المكلفين فى كل نمط من أنماطه من أخلاقيات، ومعاملات، وعبادات ومن هنا تبين وتتضح أصول تلك الثوابت التى انبنت عليها القواعد الراسخة لمقومات ودعائم وركائز الدين الإسلامى ومن هذه الثوابت على سبيل المثال، مقام الدعوة إلى دين الله تعالى، تلك الدعوة التى أرادها الله تعالى من أصل بروز الدعوة الإسلامية إلى الخلق أجمعين، والتى أعلى مقامها وذكرها فى كتابه الحكيم من حيث إنها مراده سبحانه وتعالى!

ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا؟ هل لهذه الدعوة من ضوابط وقواعد وآداب؟ الإجابة نعم! وقطعا هذه الشروط وتلك الضوابط، والقواعد نتعلمها من علماء وكتب الشرع الحكيم، ولكنى أقصد شرطا بالكاد هو شرط عقدى التزم به نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم من حيث أنه أمر إلهى مشروط بشرط الحرية فى المقام الأول لمن أراد اعتناق معتقده الذى يدعو إليه وقد بان ذلك واتضح أيما بيان فى قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125النحل) وهنا أمر ضمنى فى معنى الآية وهو إرجاع العلم إليه سبحانه وتعالى فى معرفة من ضل عن سبيله بعد معرفة الحق، ومن علم الهدى واتبع طريقه ، وللمتأمل فى روح النص يدرك أن الأمر فيه إرجاء للعاقبة عنده سبحانه وتعالى.

والسؤال هنا ؟ هل تغير هذا الشرط منذ مهد الدعوة؟ وهل سيتغير إلى نهاية الزمان؟
فهل يعقل أن دينا بنى على السماحة وإعلاء مفهوم الإنسانية، تتغير مبادئه السمحة إلى مبادئ أخرى تعلى مقومات الفساد فى الأرض بسفك الدماء.
إذا فهذا الشرط قائم خالد تالد إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

ومن ناحية أخرى فقد أعلى الإسلام قيم القصاص والعواقب المبنية على العقوبات التى ترسخ دعائم الأمن على تلك الأرض ومن يعيشون عليها ضمانا لكفالة أمنهم بتلك القوانين التى هيئ روحها بنصوص ضامنة شاملة يستن من خلالها الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فى عصره ، ومن صار على نهجه عصر الخلافة الراشدة، ومن انتهج نهجهم فى لاحق الأزمنة المتعاقبة وقد أسست تلك العقوبات على حدود متوازنة، ومتكافأة، ومتكافلة تضمن العدالة دون أدنى شبهة من شبه الجور وهذه هى قاعدة من قواعدها عبر قوله تعالى: ".. فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" (194البقرة) ويستقر هذا المعنى ويرسخ فى عقيدة المؤمن الحق يقينا عندما يعلم ويدرك ويوقن معنى قوله تعالى: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" (126 النحل)
ويزداد مفهوم أن سماحة الإسلام هى الأصل يقينا أكثر فأكثر حتى مع المعاندين من أهله ومن غيرهم قبل التمكين للدين وبعده قوله تعالى : وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127النحل)، ومن هنا تثبت تلك المنهجية فى ثابت من الثوابت فى مقام الدعوة الى الله تعالى حتى يقره سبحانه وتعالى أيما إقرار ويؤكد أنه لا يتغير إيمانا بثبات تلك القيم الإلهية التى لا تأتيها الباطل، وأن معطياتها تلك تؤول بالمتمسكين بها فى مقام المعية الإلهية، حيث عبر عن ذلك سبحانه وتعالى بعد تلك الآيات مباشرة بقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" (128النحل) فهل هناك معية أفضل من تلك ؟ وهل هناك ضمانة أرقى من هذه ؟ وهل يستطيع أحد كائن من كان أن يملك لنفسه ولغيره هذه الفهوم وتلك القواعد بدءا من سنها انتهاء بنتائجها.

فعلى ذلك المبدأ قامت تعاليم وقيم ومبادئ الدين الإسلامى التى تلقفها النبى وحيا من قبل الله تعالى، ثم شرع تفسيرا، وتوضيحا، وتبيانا عليها تفصيلا وتقيدا وتخصيصا قولا، وعملا، وتقريرا.

ومن هنا قامت فترة النبوة، والخلافة الراشدة، حاملة لشعلة منارة الإسلام التى أضائت ما يقارب ثلثى الكرة الأرضية فى أقل من 50 عاما ناشرة لتلك القيم التى أذهلت وأدهشت غالبية من دخل ذلك الدين القيم لصفائه  ورقيه، وسموه استشعارا، واستحضارا، ومعاينة، ومعايشة منهم له.

إلى فترات تزيا فيها بزى الإسلام من ظنوا أنهم على عقب تلك الفترة المستنيرة بروح الوحى الإلهى، وخرقوا خروقات فى مفهوم تلك القيم فبدى التعصب، والتناحر، والصراع إما لتعصب قبلى أو عرقى أو مذهبى، أو تناحر على سلطة أو إعلاء فكرة وعقيدة، أو صراع بين إعمال الفكر البشرى، والفكر الدينى دون الأخذ فى الأعتبار بشروط الفكر، والمفكر وبين الداعية والدعوة، والفقه والفقيه وبين العلم والعالم والمتعلم، وبين الثقافات التى هى قوام المجتمعات والحضارات المختلفة، وبين الدين، ولا سيما الجهل والضعف اللذان أعطى كل منهما لكل أصحاب هذه العصبيات، والمتناحرين ، والمتصارعين شبه سلطة فى مباراة العلماء، والنيل منهم ومن شرف علمهم سلفا وخلفا.

وخلاصة القول – أن الأزهر الشريف من خلال قاماته ورجالاته، هو من ظل على منهج تلك الثوابت العقدية والشرعية والأخلاقية إتباعا لمنهج فترة النبوة، وفترة الخلافة الراشدة الممتدة لفترة النبوة، فالمتأمل المنصف الذى عنده أدنى استشعار لمفهوم المنطق الراشد الذى يقوم دعائم الفكر يرى ما أراه وذلك من وجهة نظرى المتواضعة التى لا ألزمها أحد من الناس، فإن لم يكن للأزهر سوى الحفاظ على تلك القيم السمحة المعتدلة، ونشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة دون جبر، ومقاومة النعرات الهدامة هنا وهناك من جاهلى المسلمين وغيرهم من الحاقدين المعاندين الكارهين من غيره، والإنفاقات التى تدعم جميع أعمال البر فى كل المناحى من صدقات وإغاثات وطباعات وفتح بابه للوافدين من شتى أنحاء الدنيا طلبا للعلم وغير ذلك الكثير والكثير لكفاه ذلك.

ولا يبقى سوى بعض السلبيات التى تقع على عاتقه والتى أثق تمام وعين وحق الثقة أنه ورجاله يعلمون ويدركون ما عليهم من أعباء وأنهم على قدر المسؤلية من تحمل تلك التبعات التى أسأل الله تعالى أن يعينهم ويوفقهم ويسدد خطاهم وأن يظلوا بفضله وكرمه وعنايته على سير فترة النبوة والخلافة الراشدة ومن عمل بذلك ما دامت السماوات والأرض وآخر دعوانا أن الحمد لله تعالى رب العالمين.

بقلم الكاتب الإسلامى / محمد أبو المعارف الشعينى التيجانى