الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما هو الصبر ؟ وكيف يدار في المخ ؟


الصبر هو التحمل وكبت الشكوى في انتظار إنجاز أو مكافأة، وسميت باسمه عصارة شديدة المرارة لنوع من الشجر، وهو صفة محمودة حثت عليها كل الأديان، فقد ورد في سورة البقرة "وبشر الصابرين" (155)، وفي سورة آل عمران "والله يحب الصابرين" (146)، وقيلت فيه حكم وأشعار لا تعد ولا تحصى.. والصبر مقسم على كل المخلوقات بحكمة بالغة، لكن في كلها تقريبا، الإناث أكثر صبرا من الذكور. 
 
للصبر مراكز في مقدمة المخ (الناصية)، تعاكسها منطقتان تشعلان الثورة والغضب هما اللوزتان في قاع المخ (غير لوزتي البلعوم بالطبع)، حتى وصف علماء المخ من يدخل في نوبة غضب بـ "رهين اللوزتين".. وفي الصبر جزء وراثي وجزء يتحقق بالتدريب ورياضة النفس والوازع الديني، وهو أكثر ثباتا واستقرارا عند الحيوان والطير، أما الإنسان فكان أكثر صبرا في الماضي، لكن مع تسارع نمط الحياة وتنامي التقنيات أخذ صبره يقل.. 

والصبر أصله واحد لكن أشكاله متعددة، نعرض فيما يلي نبذة عن أبرز خمسة أشكال له:
-- الصبر عند الغضب في المشاحنات والمشادات اليومية: المعاملات والاحتكاكات اليومية بين الناس تحتاج إلى صبر، وشاءت إرادة الله أن يكون للغضب مركزين في المخ هما اللوزتين كما ذكرنا، وكثيرا ما تندفعان أسرع من مراكز التروي والقرار في ناصية المخ، والفرق بين عملهما عشرون دقيقة تقريبا، بمعنى أن الانتقال من التهور إلى العقل يتطلب فترة وجيزة لاتنفع فيها المناقشة، والمشكلة تكمن في كيفية إحباط هاتين اللوزتين ومنعهما من إشعال الموقف حتى يتدخل العقل.. وبمقارنة الجنسين، لاحظ العلماء أن مناطق الغضب عند الرجل أكبر من مناطق التروي، بعكس المرأة التي تتمتع بمناطق تروي أكبر ومناطق غضب أصغر.. 


-- الصبر على أداء الفرائض والعبادات، ويعتبر الصوم أبرز مثال للصبر في العبادات، لذا سمي شهر رمضان بـ "شهر الصبر".. حيث تكون العبودية فيه خالصة لله وليس لشهوات النفس وملذات الحياة، وجائزته الكبرى عند الله يوم القيامة "يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب".. 

-- صبر الأم على متاعب الحمل والولادة وما يليها من رضاعة وسهر ورعاية حتى يبلغ الوليد أشده.. الأم تتألم عند الولادة وهي سعيدة لدرجة وصفت آلامها بـ "آلام الفرح" ! ولطول صبرها قيل أن "الجنة تحت أقدام الأمهات".. ولعدله سبحانه وتعالى وضع صبر الأم وعاطفتها في كل الكائنات الحية.. ولنتأمل مثلا صبر الرقاد على البيض عند الطيور.. تتفاوت مد الرقاد حسب نوع الطائر، وقد تطول إلى ثمانين يوما (عند طائر الكيوي) ! أثناء الرقاد يفقد الطائر وزنه وينسى كل متع الحياة ولهوها.. ولاحظ العلماء تفاوتا في توزيع مسئولية الرقاد بين الذكر والأنثى.. عند غالبية الطيور ترقد الأنثى، وعند بعضها يرقد الذكر، والبعض الآخر يتبادل الرقاد، وفي حالة طريفة يرقد الذكر في المرة الأولى فقط "ليثبت وجوده"، ثم تتولى الأنثى الرقاد في كل المرات التالية ! وعملية الرقاد على البيض ليست بسيطة كما تبدو بل عملية بالغة التعقيد.. أحد الطيور زوده الله بمقياس حرارة في منقاره ليحافظ على حرارة البيض ثابتة عند 33 درجة، يقيسها ويحافظ عليها دائما !!.
والصبر عند بناء البيوت والأعشاش مدهش أيضا.. بعض الطيور يقضي أياما وأسابيع يجمع القش والطين لبناء عشه، ونقار الخشب طائر صغير يقضي عاما أو عامين يحفر بمنقاره بيتا في جذع شجرة صلب.. وعلميا، ثبت أن هرموني البرولاكتين والأوكسيتوسين يلعبان دورا بارزا في الأمومة وبناء الأعشاش وتأثيث المنازل، بينما يقوم هرمون الدوبامين بإضفاء السعادة وتهوين الانتظار..
-- صبر على المرض والعوز: وهنا، لا تغيب عنا قصة سيدنا أيوب الذي يضرب بصبره المثل "صبر أيوب"، وموجز قصته أنه بعد أن كان لديه مال كثير وزوجات وأولاد، مرض سبع سنين وتقرح جسمه وفقد كل ما عنده إلا زوجة واحدة بقيت معه، وتبرم منه أهل قريته وأخرجوه منها، وبقي مع زوجته في خيمة منعزلة حامدا شاكرا محتسبا حتى شفاه الله ورزقه بأكثر مما كان عنده، ونال بصبره هذا مرتبة النبوة !
-- صبر أثناء البحث عن طعام أو صيد فريسة: وهذا نوع آخر من الصبر عند بعض الحيوانات والحشرات تمارسه عند صيد فرائسها، سنذكر منها مثالا واحدا فقط: يرقة أسد النمل (وهي طور من ذبابة) تحفر حفرة أنيقة كالقمع في الرمال وتختبيء في قاعها من سنة إلى ثلاث في انتظار سقوط نملة عليها لتأكلها، وعندما تتحول اليرقة إلى ذبابة وتطير، لا تعود إلى الحفرة ولا تأكل النمل بعد ذلك.. ولكل نوع من الحيوانات والحشرات حيلته وصبره الذي يكسب به قوت يومه.. وحتى الآن لم يصل العلماء إلى كيفية الصبر والتخطيط عند الكائنات التي ليس لديها عقل !.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط