الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حين عدت إلى «التسعينات»


أسافر عبر التاريخ من يوم إلى يوم، وأقاتل على سُلم الطموح والأحلام، أتذكر دوما كف أبي وهو يحنو علي، وأنفاس أمي بجواري قبل خطوات من طابور المدرسة، أعبر وأمضي سيرا من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل، وتبقى بداخلي تلك البذرة الصالحة في الوجدان، واليوم أكتب لكم «قولا كريما».

أتذكر يوما تلك القيم التي كان أبي يبثها في وجداني بصورة غير مباشرة، حين تعلمت منه قيمة الصداقة، وكيفية التواجد بجوار الصديق كتفا إلى كتف ومعاونته في السراء والضراء، بل وقيمة الرضا، وأحمد الله وأشكره على تلك القيمة التي زرعها أبي بداخلي منذ صغري، كيف كان يعامل جدتي ووالدتي، درس لن أنساه يوما عن حسن المعاملة.

سلاما لك يا من اشتقت إليك، نعم سلام ورحمة إلى روح أبي في السماء، فلقد رحل أبي وأنا في الربيع الرابع عشر، ومضيت سيرا نحو أحلامي واستكمال الطريق، حققت نجاحا من الثانوية إلى الجامعة إلى عملي، وأخذت على عاتقي عهده في معاملة والدتي وجدتي كما كان يحب أن يعاملهن، وحتى يومنا هذا لم أحقق كمالا في التصرفات الصحيحة ولم أعد شخصا ناضجا سويا بالصورة الكافية، فمازال الطفل يبكي بداخلي يشتاق ليوم من الذكريات

أشتاق ليوم ما، حين كنت صغيرا وكانت أمي توقظني صباحا على صوت إذاعة القرآن الكريم، بعدما أعدت لي كوبا من الشاي باللبن وترفض خروجنا حتى أتناول "ساندوتش"، وننطلق سويا ترافقني حتى مدرستي وتنطلق إلى عملها، وتعود عصرا لترافقني من المدرسة إلى البيت، نجلس سويا في انتظار الغداء مع أبي وشقيقتي الكبري.

بالأمس كنت أجلس بغرفتي أتناول كوب الزبادي قبل صلاة الفجر، فعادت أفكاري إلى أمسا أشعر وكأنه قريب، عدت مسرعا بذكرياتي إلى شهر رمضان بنهايات التسعينات، حين كان للشهر الكريم ملامح بالأسرة الصغيرة لن أنساه، فأمي وشقيقتي تعدان لنا طعام الإفطار، وأبي يقرأ القرآن بصوته الحنون، ونجتمع سويا قبل الإفطار بدقائق صغيرة، ونستعد لمشاهدة التلفاز سويا، وعقب الإفطار أغادر أنا وأبي سويا إلى المسجد لإقامة صلاة التراويح، كانت حياة بسيطة لا وجود لعشرات المسلسلات والإعلانات بها، ولا فكر وبال مشغول بما يحدث أو سيحدث.

رأيت أياما مرت قديما علي، رأيت دفئًا جميلا اشتقت إليه، لمست إحساس الحب والشهامة الذي كان يملأ قلوبنا، تذكرت يوما ما كنا عليه وما تربينا عليه، إلى أن استيقظت عائدا بالزمن على صوت أذان الفجر، ناظرا من نافذة غرفتي لأجد الشارع خاويا، إلا القليل ممن رحم ربي في خطواتهم إلى المسجد

سافروا سويا عبر الزمان، غادروا تلك المرحلة الجديدة واتركوا المستقبل السريع الحزين، وأقبلوا لنعود سويا إلى قيمنا وتقاليدنا التي ترعرعنا عليها، استعيذوا من الشيطان وأجمعوا عائلاتكم مرة أخرى واطعنوا الشتات، أغلقوا أعينكم عن ضمائر الشر، وأطلقوا العنان نحو "طيبة" قلوبنا وعقولنا المعهودة عنا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط