الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في حب الإمام الشافعي


هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (150-204هـ / 767-820م) ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، مؤسس علم أصول الفقه،ً والإمام في علم التفسير وعلم الحديث، عمل قاضيًا فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية..

الكتابة عنه متعة خاصة فالرجل كان فقيهًا وعالمًا وشاعرًا ورحالا مسافرا له في علم أصول الفقه الكثير والكثير وإليه يشار بالبنان.

فهو الإمام الشافعي وكفى..

الذي كان فصيحًا شاعرًا، وراميًا ماهرًا، ورحّالًا مسافرًا. أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، وقال فيه الإمام أحمد بن حنبل "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس"، وقيل أنه هو إمامُ قريش الذي ذكره النبي محمد عليه الصلاة والسلام بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علمًا».

ولد الشافعي بغزة عام 150 هـ، وانتقلت به أمُّه إلى مكة وعمره سنتان، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ للإمام مالك بن أنس وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة.

هاجر الشافعي إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم عند الإمام مالك بن أنس، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي).

ثم عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريبًا، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ، وقام بتأليف كتاب الرسالة الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ. وفي مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب الرسالة الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم، حتى توفي في مصر سنة 204 هـ.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: "أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر من الدعاء له؟"، فقال لي: «يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو منهما عِوض.

وقال أحمد بن حنبل: "ما أحد أمسك في يده محبرة وقلمًا إلا وللشافعي في عنقه مِنَّة.

كما أثنى على الشافعي الكثيرُ من العلماء والفقهاء، وكان مما روي في مدحه والثناء عليه: قول أبو عبيد القاسم بن سلام: "ما رأيت رجلًا أعقل من الشافعي"، وفي رواية: "ما رأيت رجلًا قط أعقل ولا أورع ولا أفصح من الشافعي". وقال يونس بن عبد الأعلى: "ما رأيت أحدًا أعقل من الشافعي، لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي، لوسعهم عقله".

وقال أبو ثور: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي رضيَ الله عنه وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ المنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب الرسالة، قال عبد الرحمن: "ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو الله للشافعي فيها". وعن أيوب بن سويد الرملي أنه قال لما رأى الشافعي: «ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل هذا الرجل قط". وعن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: "إني لأدعو الله عز وجل للشافعي في كل صلاة، أو في كل يوم". وعن أبي عبد الله نفطويه أنه قال: "مثل الشافعي في العلماء مثل البدر في نجوم السماء".

قيل في صفات وأخلاق الإمام الشافعي رحمه الله الكثير..

فقد شغل الشافعيُّ الناسَ بعلمه وعقله، شغلهم في بغداد وقد نازل أهل الرأي، وشغلهم في مكة وقد ابتدأ يَخرج عليهم بفقه جديد يتجه إلى الكليات بدل الجزئيات، والأصول بدل الفروع، وشغلهم في بغداد وقد أخذ يدرس خلافات الفقهاء وخلافات بعض الصحابة على أصوله التي اهتدى إليها.

أوتي الإمام الشافعي علم اللغة العربية، وأوتي علم الكتاب، ففَقِهَ معانيه، وطبَّ أسراره ومراميه، وقد ألقى شيئًا من ذلك في دروسه، قال بعض تلاميذه: "كان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنه شاهد التنزيل"، وأوتي علم الحديث، فحفظ موطأ مالك، وضبط قواعد السُّنَّة، وفهم مراميها والاستشهاد بها، ومعرفة الناسخ والمنسوخ منها، وأوتي فقه الرأي والقياس، ووضع ضوابط القياس والموازين، لمعرفة صحيحه وسقيمه، وكان يدعو إلى طلب العلوم، وكان رحمه الله يقول: "من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه"..

وكان مجلسه للعلم جامعًا للنظر في عدد من العلوم، قال الربيع بن سليمان:

كان الشافعي رحمَه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار.

وقد وصف أبو زكريا السلماسي علمه فقال: جمع أشتات الفضائل، ونظم أفراد المناقب، وبلغ في الدين والعلم أعلى المراتب، إن ذُكر التفسيرُ فهو إمامه، أو الفقهُ ففي يديه زمامه، أو الحديثُ فله نقضه وإبرامه، أو الأصولُ فله فيها الفصوص والفصول، أو الأدبُ وما يتعاطاه من العربية العرب فهو مبديه ومعيده، ومعطيه ومفيده، وجهه للصباحة، ويده للسماحة، ورأيه للرجاحة، ولسانه للفصاحة، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، والمصباح الزاهر في الظلمة، في التفسير ابن عباس، وفي الحديث ابن عمر، وفي الفقه معاذ، وفي القضاء علي، وفي الفرائض زيد، وفي القراءات أُبَيّ، وفي الشعر حسان، وفي كلامه بين الحق والباطل فرقان.

ومع كثرة علمه وتنوعه وغزارته كان الامام الشافعي متواضعًا، ومما يدل على ذلك قوله: "ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي"، وعن الربيع بن سليمان أنه قال: "سمعت الشافعي، ودخلت عليه وهو مريض، فذكر ما وضع من كتبه، فقال: لوددت أن الخلق تعلمه، ولم ينسب إلي منه شيء أبدًا"، وعن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول: "وددت أن كل علم أعلَمه تعلَمه الناس، أوجر عليه ولا يحمدوني".

وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: "أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحًا فأعلموني، كوفيًا كان أو بصريًا أو شاميًا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا". كان الامام الشافعي رحمه الله، ورعًا كثير العبادة، فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة. وعن الربيع بن سليمان المرادي المصري أنه قال: "كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرة، كل ذلك في صلاة".

وقال الحسين بن علي الكرابيسي: "بتُّ مع الشافعي ثمانين ليلة، كان يصلي نحو ثلث الليل، لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوّذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين، وكأنما جُمع له الرجاءُ والرهبةُ".

وعن الربيع بن سليمان أنه قال: قال الشافعي: «ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعةً اطّرحتها (يعني فطرحتها)؛ لأن الشبعَ يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.

وقال أيضا "كان الشافعي جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام".

كما كان يدعو إلى طلب العلم فيقول: "من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبُل قدره، ومن نظر في اللغة رَقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه".

هاجر الإمام الشافعي كثيرًا في طلب العلم، ومنها رحلته إلى المدينة المنورة، فلما انتشر اسم إمام المدينة مالك بن أنس في الآفاق، وتناقلته الركبان، وبلغ مبلغًا عظيمًا في العلم والحديث، سمت همة الشافعي إلى الهجرة إلى المدينة المنورة في طلب العلم. وذهب الشافعي إلى الإمام مالك، فلما رآه الإمامُ مالكٌ قال له:

يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بالمعصية. ثم قال له: "إذا ما جاء الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك". يقول الشافعي: «فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأ ظاهرًا، والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكًا وأردت أن أقطع، أعجبه حسن قراءتي وإعرابي، فيقول: "يا فتى زد"، حتى قرأته عليه في أيام يسيرة".أما رحلته إلى اليمن ، فلما مات الإمام مالك، وأحس الشافعي أنه نال من العلم أشطرًا، وكان إلى ذلك الوقت فقيرًا، اتجهت نفسه إلى عمل يكتسب منه ما يدفع حاجته، ويمنع خصاصته، وصادف في ذلك الوقت أن قدم إلى مكة المكرمة والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي، فأخذه ذلك الوالي معه، ويقول الشافعي في ذلك: "ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به، فرهنت دارًا فتحملت معه، فلما قدمنا عملت له على عمل"، وفي هذا العمل تبدو مواهب الشافعي، فيشيع ذكرُه عادلًا ممتازًا، ويتحدث الناس باسمه في بطاح مكة. ولما تولى الشافعي ذلك العمل أقام العدل، وكان الناس يصانعون الولاة والقضاة ويتملقونهم، ليجدوا عندهم سبيلًا إلى نفوسهم، ولكنهم وجدوا في الشافعي عدلًا لا سبيل إلى الاستيلاء على نفسه بالمصانعة والملق، ويقول هو في ذلك: «وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان، وموالي ثقيف، وكان الوالي إذا أتاهم صانعوه، فأرادوني على نحو ذلك فلم يجدوا عندي".

أما رحلته إلى بغداد ومحنته، فلما نزل الشافعي باليمن، ومن أعمالها نجران، كان بها والٍ ظالم، فكان الشافعي يأخذ على يديه، أي ينصحه وينهاه، ويمنع مظالمه أن تصل إلى من تحت ولايته، وربما نال الشافعي ذلك الوالي بالنقد، فأخذ ذلك الوالي يكيد له بالدس والسعاية والوشاية. وفي ذلك الزمانِ الذي كان فيه الحكمُ للعباسيين، كان العباسيون يُعادون خصومَهم العلويين، لأنهم يُدلون بمثل نسبهم، ولهم من رحم الرسول محمد ما ليس لهم، فإذا كانت دولة العباسيين قامت على النسب، فأولئك يَمُتُّون بمثله، وبرحم أقرب، ولذا كانوا إذا رأوا دعوة علوية قضوا عليها وهي في مهدها، ويقتلون في ذلك على الشبهة لا على الجزم واليقين، إذ يرون أن قتل بريء يستقيم به الأمر لهم، أولى من ترك مُتَّهمٍ يَجوز أن يُفسد الأمنَ عليهم.

وجاء والي نجران العباسيين من هذه الناحية، واتهم الشافعي بأنه مع العلوية، فأرسل إلى الخليفة هارون الرشيد: "إن تسعة من العلوية تحرَّكوا"، ثم قال في كتابه: "إني أخاف أن يخرجوا، وإن ها هنا رجلًا من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي"، وقيل أنه قال في الشافعي: "يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه"، فأرسل الرشيد أن يَحضرَ أولئك النفرُ التسعةُ من العلوية ومعهم الشافعي. ويقال أنه قتل التسعة، ونجا الشافعي؛ بقوة حجته، وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني، أما قوة حجته فكانت بقوله للرشيد وقد وجه إليه التهمةَ بين النطع والسيف: "يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده، أيهما أحب إلي؟"، قال: "الذي يراك أخاه"، قال: "فذاك أنت يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس، وهم ولد علي، ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس تروننا إخوتكم، وهم يروننا عبيدهم". وأما شهادة محمد بن الحسن الشيباني فذلك لأن الشافعي استأنس لما رآه في مجلس الرشيد عند الاتهام، فذكر بعد أن ساق ما ساق أن له حظًا من العلم والفقه، وأن القاضي محمدًا بن الحسن يعرف ذلك، فسأل الرشيدُ محمدًا، فقال: «له من العلم حظٌ كبير، وليس الذي رُفع عليه من شأنه»، قال: «فخذه إليك حتى انظرَ في أمره»، وبهذا نجا.

أما في مصر والتي تعتبر الموطنَ الأولَ للمذهب الشافعي، فكان هو السائدَ فيها بعد أن تغلب على المذهبين الحنفي والمالكي، واستمر كذلك إلى أن جاءت الدولة الفاطمية فأبطلت العمل به، وجعلت العمل على مقتضى مذهب الشيعة الإمامية، حتى جاء السلطان صلاح الدين الأيوبي فأسقط سلطانهم، وأحيا المذاهب المعروفة وأبطل العمل بالمذهب الشيعي، وجعل للمذهب الشافعي الحظَّ الأكبر من عنايته وعناية من جاءوا بعده من الأيوبيين..

كان الامام الشافعي – رحمه الله- أديبًا وشاعرًا فصيحًا بالإضافة إلى معرفته للعلوم الشرعية الإسلامية. وكان شعرُه في أغلبه يتناول الحكمة ومناجاة الخالق، والدعاء والاستغفار والتندم على المعاصي. ولذلك انتشر شعره بين الناس، ولا يزال شعره متداولًا حتى الآن، وصارت بعض أبياته أمثالًا يتداولها الناس في حياتهم اليومية ومنها:-

إذا شئتَ أن تحيا سليمًا من الأذى

ودينك موفورٌ وعرضك صينُ

لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ

فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ

وعينُك إن أبدت إليك مَعايبًا

فصُنْها وقلْ يا عينُ للناس أعينُ

وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى

ودافعْ ولكنْ بالتي هي أحسنُ

وله أيضًا من الاشعار المعروفة:-

دعِ الأيامَ تفعلُ مـا تشـــاءُ

وطِبْ نفسًا إذا حكم القضاءُ

ولا تجزع لحــادثة الليـالي

فما لحوادث الدنيـا بقــاءُ

وكن رجلًا على الأهوال جلدًا

وشيمتُك السماحةُ والوفـاءُ

وإن كثرت عيوبُك في البرايـا

وسَرَّك أن يكون لها غطـاءُ

تستَّر بالسخــاء فكلُّ عيـبٍ

يغطيه كما قيل السخـاءُ

ولا تُرِ للأعــداء قــطُّ ذلًا

فإن شماتة الأعــدا بـلاءُ

ولا ترجُ السماحةَ من بخيـلٍ

فما في النار للظمآن مــاءُ

ورزقُك ليس يُنقصه التــأني

وليس يَزيد في الرزق العناءُ

ولا حزنٌ يدوم ولا ســرورٌ

ولا بؤسٌ عليك ولا رخـاءُ

إذا ما كنتَ ذا قلبٍ قنــوعٍ

فأنت ومالكُ الدنيا ســواءُ

أما وفاته رحمه الله ، فعندما جاء الإمام الشافعي الى مصر، وجد أن اصحاب المذهب المالكي يتعصبون بشدة للامام مالك ويقدمونه في الفقه على حديث رسول الله، قال الامام البيهقي "إن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك (أي في الرد على مالك) لأنه بلغه أن ببلاد الأندلس قلنسوة كانت لمالك يُستسقى بها. وكان يقال لهم: "قال رسول الله". فيقولون: "قال مالك". فقال الشافعي: "إن مالكًا بَشَرٌ يخطئ". فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه معه.

ثم ألف الإمام الشافعي كتابًا يرد به على الإمام مالك وفقهه، فغضب منه المالكيون المصريون بسبب الكتاب وأخذوا يحاربون الشافعي، وتعرض للشتم القبيح المنكَر من عوامهم، والدعاء عليه من علمائهم. يقول الكندي: لما دخل الشافعي مصر، كان ابن المنكدر يصيح خلفه: "دخلتَ هذه البلدة وأمرنا واحد، ففرّقت بيننا وألقيت بيننا الشر. فرّقَ الله بين روحك وجسمك". واصطدم كذلك بأحد تلاميذ الامام مالك المقربين ممن ساهم بنشر مذهبه في مصر، وهو أشهب بن عبد العزيز. وكان أشهب يدعو في سجوده بالموت على الإمام الشافعي. وروى ابن عساكر عن محمد بن عبد الله بن عبدِ الْحَكَمِ أَنَّ أَشْهَبَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ، فَإِنَّكَ إِنْ أَبْقَيْتَهُ اِنْدَرَسَ مَذْهَبُ مَالِكٍ". وروى ذلك ابن مندة عن الربيع أنه رأى أشهب يقول ذلك في سجوده. ثم قام المالكية بضرب الإمام الشافعي ضربًا عنيفًا بالهراوات حتى تسبب هذا بقتله وعمره 54 عامًا فقط، ودُفن بمصر – بحسب بعض الروايات-

وهناك رواية أخرى، أن سبب موت الشافعي هو مرض البواسير الذي أصابه، فقد روى الربيع بن سليمان حالَ الشافعي في آخر حياته فقال: "أقام الشافعي ها هنا (أي في مصر) أربع سنين، فأملى ألفًا وخمسمئة ورقة، وخرَّج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في مدة أربع سنين، وكان عليلًا شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب حتى تمتلئ سراويله وخفه (يعني من البواسير)». وقال الربيع أيضًا: دخل المزنيَّ على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقال له: "كيف أصبحت يا أستاذ؟"، فقال: «أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله واردًا، ولسوء عملي ملاقيًا"..

قال: ثم رمى بطرفه إلى السماء واستبشر وأنشد:-

ومن نزلتْ بساحته المنايــا

فلا أرضٌ تقيه ولا سمــاءُ

وأرضُ الله واسعــةٌ ولكن

إذا نزل القضا ضاق الفضاءُ

دع الأيام تغدرُ كلَّ حيــنٍ

فما يُغني عن الموت الـدواءُ

رحم الله الإمام الشافعي جراء ما قدمه للاسلام والذي شاء الله أن يدرس ويؤخذ منه ومن علمه إلى يوم الدين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط