الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إصابة صلاح مؤامرة صهيونية!


أنسى ما أنسى ما حييت أستاذنا الدكتور حلمي بدير أستاذ الأدب المقارن، الذي تلقى على يديه بمدرجات كلية الآداب بجامعة المنصورة جيلنا في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي الكثير من العلم والمختلف من الفكر، فالرجل كان ذا طريقة خاصة في التدريس، فلم يكن يحدثنا كثيرا عن ما في الكتاب الجامعي، فما كان منه إلا أن يدلنا على الكتاب الذي علينا أن نقتنيه من دار المعارف، والذي كان ذا مستوى فكري ولغوي عال، يتركنا لذلك الكتاب مع أنفسنا، في المنزل، ويأخذنا في المحاضرة الجامعية في رحلة متنوعة بين الثقافات المختلفة، ومع كبار الكتاب، ومع المقالات المنشورة في الصحف اليومية، والمجلات المتخصصة، لا يجعل هناك حدودا لما يمكن أن نتناوله بالمنافشة أو التحليل، إضافة لرحلة أدبية مع كبار الروائيين أمثال الفذ نجيب محفوظ والعبقري يوسف إدريس، ولم يكن أستاذنا الدكتور حلمي بدير من المعجبين بإحسان عبد القدوس، الذي كان يراه لا يمتلك أدوات الكتابة، وكان يناقش معنا الأعمال الدرامية، ويركز كثيرا على أن الحكم على الأديب إنما يكون من خلال قراءة العمل الأدبي وليس من مشاهدة الرواية كعمل درامي، حيث أن للمخرج تصريف يتناسب مع المتلقي للعمل الدرامي الذي هو مختلف عن ذلك المتلقي القارئ لنفس العمل.

لا أنسى في إحدى محاضرات أستاذنا الدكتور حلمي بدير قوله أننا نمنح لأعدائنا قدرات لم يكن هم أنفسهم يحلمون أن يمتلكونها يوما من الأيام، وضرب مثلا ساخرا للصهيونية العالمية التي نحيل لها – لنريح أنفسنا كما يرى الرجل - كافة ما يقع على رؤوسنا من كوارث وما يحدث لنا من مشكلات -كبرت تلك المشكلات أم كانت من التفاهة بمكان – ابتداء من كبريات المشكلات الاقتصادية مرورا بالمشكلات السياسية، انتقالا إلى الأزمات الاجتماعية انتهاء ببكاء الوليد لدينا الذي تحيل الأسرة هذا البكاء لهذه المؤامرة الكونية التي تحيكها الصهيونية العالمية، وهو يرى – كما قلنا آنفا – أننا بذلك نمنح أعداءنا من القدرات ما لم يكن هم أنفسهم يحلمون به، كما يرى أن ذلك يصبح عائقا هائلا في مسيرتنا، ويكون تفسيرا مريحا لما يمر بنا من أزمات وما يواجهنا من معضلات نبحث لها عن مبرر لوقوعها، وليس عن طريقة لحلها.

تذكرت أستاذنا الدكتور حلمي بدير وأنا أتابع ردود الفعل التي صاحبت الإصابة التي ألمت بنجمنا الكبير اللاعب محمد صلاح نجم مصر المحترف في فريق ليفربول الإنجليزي والذي انتظرنا رؤيته متوجا بلقب دوري أبطال أوروبا كأول مصري يحظى بهذا الشرف، وكأول مصري يحقق أهم إنجاز كروي، حيث كانت جل الآراء ترى أنه في حالة وُفِّق لاعبنا الكبير في المساهمة في تحقيق فوز فريق ليفربول الإنجليزي بهذه المسابقة، تؤكد فوز لاعبنا بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم متفوقا على الأسطورتين: ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، ولكن جاءت الرباح بما لا تشتهي السفن، وتعرض لاعبنا محبوب الجماهير المصرية والعربية والإنجليزية ولا نبالغ إن قلنا العالمية، لإصابة خُلِعَت لها قلوب المحبين والعشاق، حيث تعرض للعبة عنيفة من مدافع ريال مدريد الإسباني راموس خرج على إثرها دامعا متألما نجمنا المعشوق، وكان لخروجه أكبر الأثر على أداء الفريقين: سلبا على فريقه، وإيجابا على المنافس ريال مدريد، وعاشت مصر ليلة حزينة، وعاش عشاق النجم في العالم كله ليلة مؤلمة، وكانت اللعبة العنيفة من اللاعب الإسباني حديث العالم، غطت على فوز الريال للمرة الثالثة على التوالي بكأس الأبطال، وتناول اللعبة بالتحليل والتفسير العديد من الخبراء حول العالم، ووضع المصريون أياديهم على قلوبهم في انتظار التشخيص الطبي لإصابة نجمهم الأوحد، الذي تطايرت بعض الأخبار عن عدم إمكانيته مشاركة لاعبي المنتخب المصري مباريات كأس العالم لكرة القدم المقرر إقامتها منتصف الشهر المقبل بروسيا، وهنا طار العقل أيضا من رؤوس الغالبية الساحقة من المصريين، ليس الجماهير فحسب، بل المحللون، والإعلاميون، بل أكثر من ذلك القانونيون.

وذهبت الجماهير في شططها لأقصاه، فوجدناها تتماهي مع المؤامرة الكونية على مصر الوطن والعروبة والإسلام، ووراءها مخطط صهيوني، وهذه الجماهير نراها معذورة كل العذر، فلقد ذهب من يجب أن يقوموا بتشكيل الوعي العام لما هو أقصى مما ذهبت إليه الجماهير فوجدنا كاتبا مثل عبد الهادي راجي المجالي في الرأي الأردنية يكتب عن تلك الحادثة: "القصة مرتبطة بالحقد أكثر منها بالإصابة. القصة مرتبطة أيضا بالقلوب السوداء وليس بالروح الرياضية".

ويربط بين ما فعله اللاعب الإسباني وبين وزير الدفاع في الكيان الصهيوني فيضيف: "هي مؤامرة بشكلها وبتفاصيلها، فراموس لا يختلف عن ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي الذي غرد قبل فترة طالبا من محمد صلاح أن يخدم في جيش المرتزقة الإسرائيلي. هي ذات اليد، فالقاتل واحد ولكنه أحيانا يتخفى بوجه وزير وأحيانا بزي لاعب".

ويزايد وائل قنديل في العربي الجديد اللندنية على الجميع حيث يقول: إن إصابة صلاح ليست كرة قدم، بل "جريمة ضد الإنسانية".

بل يذهب مذهبا آخر يضيف له بعدا جديدا مستخدما لفظ "الأندلس" ليزيد بإيحاء تاريخي موروث أسبابا لتعمد اللاعب الإسباني لجريمته! إذ يقول: "كانت اللقطة أشبه بمحاولة اغتيال، على الهوية، تجمعت فيها كل نوازع الغل العنصري، بما بدا معه وكأن الفوز بكأس أبطال أوروبا عند الإسباني الأندلسي راموس يأتي أولوية تالية، لإنهاء أسطورة صعود صلاح، إذ كان الإسباني محتشدا برغبات هائلة في الإيذاء، جعلتنا نشعر لحظة بأننا بصدد جريمة ضد الإنسانية".
لم ينته المشهد عند ذلك، بل تبرع أحد المحامين لرفع قضية على اللاعب الإسباني مطالبا بتعويض مليار دولار، ليتحول المشهد لقمة العبثية، لينتقل من ساحة ملعب كرة قدم، اشتهر فيه اللاعب الإسباني بالعنف؛ خاصة مع أساطين اللعبة، الذين لا يملك مع مهاراتهم الفنية الهائلة سوى العنف، والذي تم نشر مقاطع فيديو، بدافع مما فعله مع لاعبنا الفذ محمد صلاح، أظهرت مدى شراسته مع لاعبين أُخَر، كان في مقدمتهم البرغوث الفذ الأرجنتيني ليونيل ميسي، والذي لم تتعاط معه الجماهير الأرجنتينية نفس تعاطينا المهووس بنظرية المؤامرة، تلك التي لا أستبعدها كلية، بل نتعامل معها بالكثير من الموضوعية، في إطار تلك المصالح المتعارضة للدول والشعوب، خاصة تلك التي يوجد بينها عداء وصراع كما هو الحال بيننا وبين الكيان الصهيوني.

لم يكن الهوس بنظرية المؤامرة هو فقط الحاضر في إصابة نجمنا الكبير محمد صلاح، بل كان "العته" الديني أيضا جاثما ماثلا أمام الأعين، حيث غرد أحد من يطلق عليهم مشايخ "محمد جبريل" مؤكدا أن إصابة محمد صلاح جاءت جزاء وفاقا لترك أبناء الشعب المصري صلاة التراويح لمشاهدة مباراة النجم المصري، في حالة "عك" متناهية، فإذا كان ذلك عقابا لمسلمين – بمفهوم جبريل بالطبع – فهل كان فوز ريال مدريد دليل رضا الله سبحانه وتعالى عن من لا يدينون بالدين الإسلامي، والذين ليس لديهم لا تراويح ولا رمضان.

إن الذي كشفت عنه هذه الحال إنما يبرهن برهانا لا حاجة بعده لدليل على أننا نعاني معاناة هائلة، نتيجة لسلب العقل الذي كرم الله الإنسان به، فحينما يفقد المجتمع عقله الواعي تكون النتيجة هي هذا المشهد الذي رسمناه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط