الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المسلمون في أوروبا: صيغة جديدة أم نهاية وجود


لقد أصبح العالم قرية صغيرة؛ ليس فقط نتيجة لطرق التواصل التي تطورت بدرجة هائلة، ولكن أيضا نتيجة للتعايش الكائن بين الحضارات المختلفة، في أماكن متعددة من العالم، ذلك التعايش الذي يمر بمراحل ازدهار وأخرى ضعف، وإن كانت أوروبا تعد أكثر النماذج المتقدمة لهذا التعايش، فإنه - ولا شك - في المرحلة الأخيرة تعتريها بعض العوامل التي تذهب بها إلى فترات الضعف، والتي تعتمل فيها عوامل تأتي باليمين المتطرف بأوروبا في مقدمة المشهد ليؤثر تأثيرا مباشرا على صورة التعايش التي مازالت تحميها القوانين والتشريعات، والتي هي آخذة أيضا في الضعف بتأثير هذا اليمين الذي استطاع ان يصعد ليشارك في الحكم في عدد من الدول الأوروبية، ومن ثم يشارك في سن قوانين جديدة.

نتيجة لعدة عوامل دافعة للهجرة، قطن أكثر من عشرين مليون مسلم أوروبا، وكان لهذه الإقامة مظاهر في القارة العجوز، منها إقامة المساجد، وكذلك بعض المصليات، ومن المظاهر التي لا تخطئها العين تلك الخاصة بشهر رمضان المبارك، والذي يحرص المسلمون على الإتيان بطقوسه العبادية فأصبح الأوربيون الآن يعرفون شهر رمضان معرفة جيدة؛ وذلك نتيجة لتمسك المسلمون الذين يقيمون في أوروبا بعقيدتهم، والإتيان بعباداتهم كما أمرهم المولى عز وجل والتي من بين أركانها الخمسة صيام شهر رمضان، ذلك الشهر المبارك الذي له مكانة هائلة في نفوس المسلمين، والذي يحرص جميع المسلمين على صيام نهاره وقيام ليله، كلٌّ حسب طاقته وقدرته.

ولقد آثار الإتيان بهذه العبادة شهية بعض الرافضين للوجود الإسلامي في أوروبا فوجدنا نائبة هولندية تهاجم صيام المسلمين لهذه الساعات الطويلة وتطالب أرباب العمل لمنحهم إجازاتهم في هذا الشهر، مؤكدة على أنه لا يجب على المجتمع الهولندي تحمل تبعات سلوك أناس يمتنعون عن المأكل والمشرب حوالي عشرين ساعة، وهو ما يكون له اثر سلبي على قدرة هؤلاء على التركيز في كافة مناحي الحياة، وهي – أي النائبة – بذلك تمثل خير تمثيل ما أشرنا إليه آنفا بصعود اليمين المتطرف في أوروبا.
ومن المفيد هنا أن نتعرف على التواجد الإسلامي في القارة الأوربية
المسلمون في أوروبا.. الانتشار والأعداد

فرنسا
تعد فرنسا البلد الذي يوجد فيه أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، إذ يقدر عددهم بحوالي 5 مليون مسلم. أغلب هؤلاء المسلمين ينتمون إلى دول المغرب العربي وشمال أفريقيا. عرفت أعداد المسلمين في فرنسا تزايدًا ملحوظًا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ كان البلد في حاجة إلى الأيدي العاملة.

ألمانيا
تعتبر ألمانيا من بين أهم الدول التي قصدها مسلمون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويقدر عدد المسلمين في ألمانيا بحوالي 5 ملايين شخص. وتتجاوز نسبة الأتراك الثلثين. كما أن عدد المسلمين بهذا البلد عرف تزايدًا، خصوصًا ما بين عامي 2010 و2016، حيث قصدها حوالي مليون لاجئ. وحسب الدراسات فإن 86 بالمائة من اللاجئين الذين قصدوا ألمانيا مسلمون. ويضم البلد مئات المساجد وعشرات المراكز الدينية.


بريطانيا
يتمركز أغلب المسلمين في بريطانيا في العاصمة لندن. وتنقسم أصولهم بين قادمين من الهند، الشرق الأوسط وأفريقيا. أحدث دراسة في الموضوع أشارت إلى أن المملكة المتحدة لم يدخلها لاجئون مسلمون كثر بين 2010 و2016، إذ قدر عددهم بـ 60 ألف. وبشكل عام، فعدد المسلمين الذين وصلوا إلى المملكة منذ 2010 يناهز 43 بالمائة من المهاجرين لبريطانيا.

إسبانيا
عاش جزء من إسبانيا تحت الحكم الإسلامي لفترة طويلة، وما تزال تحتفظ في بعض مدنها بآثار ذلك. حسب إحصاءات 2012، فإن أكثر من مليون و900 ألف شخص يعتنقون الدين الإسلامي في البلد. ينحدر أكثرية المسلمين هناك من الأصول الأمازيغية، خاصة من شمال المغرب وبعض البلدان الإفريقية. ويتوزع المسلمين على مدن عديدة أهمها: مدريد وكتالونيا والأندلس وفالنسيا ومورثيا وكانارياس..

إيطاليا
حسب إحصائية تعود لـ2016، فإن المغاربة المسلمين يقدرون بحوالي نصف مليون مسلم، ضمن أكثر من مليون و700 ألف شخص يعتنق الإسلام. المسلمون في إيطاليا يتركزون في الجهات الصناعية في شمال البلد، كما تضم العاصمة لوحدها أزيد من 100 ألف مسلم. وبالنسبة لدور العبادة، فتضم روما واحدًا من أكبر المساجد في أوروبا فضلًا عن مساجد أخرى تنتشر في المدن والحواضر.

هولندا
في العقود الأخيرة من القرن الماضي، استقطبت هولندا اليد العاملة من "بلدان مسلمة" كتركيا والمغرب. وتشير بيانات إلى أن عدد المسلمين في هولندا تجاوز 850 ألف مسلم في 2006. كما أشارت صحيفة AD الهولندية مؤخرًا إلى أن الإسلام يعرف انتشارًا واسعًا داخل البلد، وعززت ذلك بأرقام تفيد تنامي الإسلام بأمستردام على غرار الديانات الأخرى.

بلجيكا
يقصد الكثير من المسلمين بلجيكا، ويتجاوز عددهم هنالك 700 ألف مسلم من أصول مغربية بالدرجة الأولى. يحتل الإسلام الرتبة الثانية ضمن الديانات المعتنقة في البلد. وحسب تقرير لجريدة الإيكو نست البلجيكية، في وقت سابق، فإن نصف أطفال المدارس الحكومية في بروكسيل من عائلات مسلمة. كما يوجد في العاصمة أكثر من 300 مسجد. تعترف بلجيكا بالدين الإسلامي وتخصص ميزانية لتدريس التربية الإسلامية، ودفع رواتب بعض الأئمة.

الدنمارك
وصل الإسلام حديثًا إلى الدنمارك وذلك مع هجرة العمال المسلمين بدءًا من منتصف القرن العشرين. ويقدر عدد المسلمين حوالي 300 ألف مسلم، أي 5 بالمائة تقريبًا من سكان الدنمارك. وينحدر أغلبهم من تركيا ودول عربية. كما يوجد من بين المسلمين ألبان وباكستانيون ودنماركيون

اليونان
تقدر نسبة المسلمين في اليونان بحوالي 3 بالمائة من إجمالي السكان. وتعتبر اليونان من بين الدول الأولى التي عرفت الإسلام، إذ قدمت جيوش المسلمين إلى جزيرة "رودوس" أول مرة عام 654 ميلادي. يوجد خمس مجموعات سكانية مسلمة في البلد، تنقسم إلى: أتراك وبوماك وألبان وغيرهم إضافة إلى المهاجرين. يوجد الكثير من المساجد في البلد، ويرجع الكثير منها للعهد العثماني.

بولندا
تعود بدايات المسلمين في بولندا إلى القرن الرابع عشر ميلادي. ويعتبر حاليًا عدد المسلمين هناك قليلًا مقارنة بالبلدان الأوروبية الأخرى. توجد بعض الإشارات التي تقول أن عدد هؤلاء يصل إلى 31 ألف مسلم فقط، أي ما يقارب واحد بالمائة من مجموع عدد السكان. ويوجد أكبر تجمع إسلامي في مدينة بياوتسنوك .

أما في المستقبل فإن بعض الإحصائيات تشير إلى أن عدد المسلمين، عام 2050، سيصير ضعف العدد الذي يوجد عليه الآن.
فهل سيستمر تيار اليمين المتطرف في أوروبا في الصعود ليحد من الوجود الإسلامي، الذي يرى فيه بعض الأوروبيين تهديدا قويا للهوية الأوروبية، وهل يستفيد المسلمون من هذا التواجد ليقدموا أنفسهم بشكل يقبله المواطن الأوروبي، وهل يعمل المفكرون والفقهاء المسلمون المقيمون في أوروبا جنب إلى جنب لإيجاد صيغة إسلامية - حيث أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان - تناسب البيئة الأوروبية كما العقلية كذلك، كل ذلك تجيب عنه السنوات القادمة، فإما أن يخلق التواجد الإسلامي صيغة ثقافية جديدة تشارك المجتمع الأوروبي المتعدد الثقافات، وإما يكتب المسلمون بأيديهم نهاية لوجودهم في القارة العجوز.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط