الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

توحش الرأسمالية على ثورات الشعوب


ما نعيشه الآن في منطقة الشرق الأوسط من حالات قتل وتدمير وتقسيم وتهجير للإنسان والجغرافيا ومجموع الثقافات المجتمعية للمنطقة، يمثل الصراع المكثف الذي لطالما تم تأجيله عشرات القرون ما بين عقلية الجشع والسرقة والأنانية الفظة للرأسمالية المتوحشة التي أصبحت كاللوثايان، وبين سعي الإنسان للبحث عن كينونته والعيش بكرامة ضمن حالة تكاتف مجتمعي الذي يشكل جوهر التطور الحضاري.

صراع يحمل بين طياته الكثير من المصطلحات المتداخلة والمتناحرة فيما بينها، والتي يتم ترويجها بأساليب شتى لتزيد من القتل والدمار والسير على درب الجحيم والذي يقول "هل من مزيد". صراع بين الطبيعة الأولى الولاَّدة للثقافة والحضارة والتي وصلت لمرحلة الانفجار وبين الجشع والفردانية الولاّدة للمدنية والتي لا يهمها سوى الربح الأعظمي على حساب الانسان والطبيعة. صراع الآلهة فيما بينها على السلطة والنفوذ وفيما بينها وبين الإنسان العبد والمتنمل والنمطي الذي يبحث عن ذاته كي يعيشها كما هو يريد وليس كما هم يريدون.

لطالما تذكرنا هذه الصراعات ونحن في بدايات الألفية الثالثة ما عاشه الإنسان قبل آلاف السنين وعلى نفس الجغرافيا، إنه صراع يدغدغ ذاكرتنا الثقافية المغبرة بين دفتي كتب الأساطير والملاحم السومرية "جلجامش" والأكادية "لعنة أكاد" واليونانية "الألياذة وهوميروس وأوديسا"، والتي رسمت الخطوط العريضة لما نعيشه الآن ونكرره بكل سطحية وغباء على أنه البحث عن الفردوس المفقود وما هو في الحقيقة إلا صراع الآلهة فيما بينها على السلطة، والشعب لا حول له ولا قوة فهو يمثل العشب في صراع الثيران كما يقول المثل الشعبي "إن تصالحت الثيران أكلت العشب، وإن تصارعت حولت المرعى والعشب إلى مستنقع من الطين".

ربما يكون هذا التوصيف هو الأقرب لما نعيشه ونراه الآن من صراع بين أمريكا وروسيا وإيران وتركيا وأوروبا فيما بينها من أجل السلطة والنفوذ، وبنفس الوقت القضاء على أي أمل للشعوب التواقة للكرامة والتي ما زالت تسعى بكل إرادتها للحفاظ على ما تبقى من أمل في العيش المشترك فيما بينها.

الرأسمالية تعيش الآن أوحش مراحلها وأفظعها وربما نهايتها أيضًا نتيجة الأزمات الخانقة التي تضرب الآليات (العكازات) التي كانت تتكئ عليها فيما مضى والتي لم تعد بمقدورها تحمل ثقل طمعها وترهل أفكارها وموت أخلاقها وقوانينها التي وضعتها.

حينما يلتهم التطور المعلوماتي الثقافة الإنسانية المجتمعية وحينما يقتل التطور التكنولوجي لأسلحة الإنسان وحينما يتحول المال من وسيلة للعيش إلى إله يتم عبادته وحينما يتحول العلم إلى تجارة رابحة، حينها علينا أن ندرك جيدًا أننا نعيش مرحلة عدمية الأخلاق والضمير والوجدان المجتمعي الذي هو أساس التطور الحضاري والثقافي.

وللخروج مما نعيشه لا بدَّ لنا من ثورة ذهنية وأخلاقية قبل أي شيء، لأنه لا يمكن لأية ثورة إن كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو تعليمية أن تنجح، إن لم تكن الأخلاق هو الغلاف أو الوعاء الذي يحفظها من سماسرة وسراق الثورات وتحويلها إلى فوضى لجني الثروات.

بناء المجتمع السياسي والأخلاقي هو الدرع الحصين الذي يمكننا من خلاله الحفاظ على وجودنا وهويتنا المجتمعية والثقافية تجاه جميع هجمات التوحش الرأسمالي الغربي منه والشرقي.

وإن الصراع ما بين المجتمع الطبيعي السياسي والأخلاقي للشعوب وبين مدنية القوانين الوضعية لسماسرة الحروب والبعيدة عن روح الأخلاق، سيبقى مستمرًا كالصراع بين الخير والشر والليل والنهار حتى يرجع الإنسان إلى ذاته ويتخلص من حالة الاغتراب المجتمعي التي يعيشها بحثًا عن القوة التي لا يراها سوى في المال الذي تحول إلى "سلطة وقوة وقانون وإله" على حساب الجغرافيا والوطن والمجتمع والشعب والثقافة والأخلاق.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط