الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب : بعبع الثانوية العامة‎

صدى البلد

في هذا التوقيت من كل عام نشهد حالات انتحار بين طلاب الثانوية العامة أثناء تأدية الامتحانات، فضلًا عن حالات الهلع والفزع التى يصابوا بها في الشهور الأخيرة، فهم يتعرضون لضغوط نفسية و توتر خلال هذه السنة ويتحاملون علي أجسادهم بسبب كثرة الدروس الخصوصية ،فقد يقضي الطالب نهاره كله وأغلب ليله بين مراكز الدروس الخصوصية ثم يذهب إلي بيته منهك القوي ورغم ذلك يقوي علي نفسه ليواصل ما درسه خلال يومه ، وبعد كل هذا قد ينتصر خوفه علي إرادته ويشنق نفسه ليلة الامتحان.

ويبقي السؤال الذي يدق في رأسي ويتردد في نفسي كلما فتحت التلفاز وشاهدت الأهالي تجلس أمام اللجان حاملين مصاحفهم التى تتبلل بدموعهم داعيين الله خوفًا من صعوبة الامتحان : من أين أتى مصطلح أن الثانوية العامة هي سنة المصير وتحديد المستقبل؟ !

فهي سنة دراسية مثل سابقيها ،فالمواد الدراسية تحمل نفس الاسم الذي اعتادنا عليه ،وندرس نفس المنهج ونقصد نفس المدرس لشرح المادة.

من أين أتت فكرة أن الصفوف الأولي للثانوية العامة صفوف غير مهمة ويتعامل معها الأهالي قبل الطالب باستخفاف ،وعندما تحين موعد السنة الأخيرة نرتدي ثوب الجدية والالتزام؟ !

فالسنوات الثلاثة للسنوية العامة تكمل بعدها الآخر ،فكل سنة تمهد لما بعدها ،فالمجتهد مذ السنة الأولي سيجتاز الامتحان و سيحقق نجاح عظيم في السنة الأخيرة والعكس صحيح

فالعادات والتقاليد قادرة أن تصنع لدي الطالب انفصام في الشخصية، حيث يتركه الأهل يلهو ويحصل علي نتائج غير مرضية في الصف الأول والثاني الثانوي ثم يأتى العام التالث ينعزل فيه عن العالم البشري بأكمله لكي يذاكر ويصبح دكتور. .. ما هذا العبث والهراء!

الموروثات الخاطئة والأفكار العقيمة التى يتوارثها الأبناء من الآباء مثل مصطلح "كليات القمة "،وأن العلمى للطلبة المتفوقين، والأدبي للطلبة التى تعتمد على الحفظ، فكل ولي أمر يريد ابنه دكتورا أو مهندسا، ولقد شاهدت طالبة تبكي أمام باب مدرستها ظننت أن السر وراء بكائها أنها غير راضية عن حلولها ،ولكنى ضحكت عندما سمعت جملة "عايزين يدخلونا تجارة " فهي لا يهمها صعوبة الامتحان بقدر خوفها بأن تلتحق بكلية التجارة.هكذا تربت الابنة أن كلية التجارة كلية غير مرغوب فيها ،فهي لو كانت تركت لخيالها العنان أكثر وأكثر لادركت أن أمر تعينها في شركات الأدوية أو مكاتب الهندسة قد يكون معلق بأمر من أحد خريجي كلية التجارة.

نحن نتبنى أفكار نغيرها وفق ميولنا الشخصية و أهوائنا الذاتية، نشعر بالغضاضة عندما نسمع عن شخص خريج كلية الحقوق ونسعد عندما يقدم نفسه أنه وكيل نيابة. ننظر إلي كلية التجارة نظرة ضئيلة و تتبدل نظرتنا عندما ندرك أنه يعمل في أحد البنوك الاستثمارية . لم تقتصر أفكارنا علي الكليات ونظرتنا للوظائف المختلفة فحسب، بل اختلط الأمر بالزواج، فقد يكون المؤهل الدراسي والعمل والوظيفي المعيار الأساسي للقبول أو الرفض.وقد تلتحق البنت بكلية عكس ماترغب به من أجل أن يتقدم لخطبتها شخص فيما بعد يحمل نفس المؤهل الدراسي الذي تحمله.

كل هذه العوامل خلقت طالب غير ساو نفسيا مضطرب فكريا متعب جسديا، يري أن الموت راحة له من كل هذا التشويش والتلقين المستمر في تحقيق رغبة أهله في أن يلتحق بالكلية المنوط بها. يجد أن خسارة العمر أمر يسير بالنسبة لما سيلقاه من عواقب وخيمة إذا لم يحقق الهدف المطلوب، نشيع أبناءنا إلي مثواهم الأخير من أجل أفكار لم ينزل الله بها من سلطان، شباب في مقتبل العمر يحبسون أنفسهم من المستقيل علي الرغم أنهم الفئة المنوط بها لبناء المستقبل، فمن المفترض انه يشرق بهم ولكنه يعتم بأفكار آبائهم الساذجة.

لا نتبي مبدأ، ولا نسير علي معيار ،فنحن نرفض تغير أفكارنا كما نرفض أي تغير يطرأ على نظام الثانوية العامة، مازلنا متمسكين بالنظام الورقي معتقدين أن استنزاف جيوبنا في سناتر الدروس الخصوصية خير لنا من إعادة هيكلة المدارس واسترجاع هيبتها. نأبي التغير ونعشق الروتين ومنهج التعليم النمطي ،عاجزين علي التعامل مع أي جديد ، راهبين من التحديث ،معتقدين أنه شبح يطاردنا رغم أنه قد يكن في صالحنا من أجل مستقبل أفضل.

قبل أن نغير مفهوم الثانوية العامة لدي الطالب علينا أن نغيره لأولياء الأمور، يجب أن يكوّن الأب فكره أن مجموع ابنه في الثانوية العامة هو حصيلة قدراته العقلية ،فالقدرات الفكرية تتفاوت من طالب لآخر، وعلي الطالب أن يحدد الكلية التى يرغب الالتحاق بها وفق ميوله ورغباته لا حسب التنسبيق والمجموع، فكلما كان الطالب شغوف للكلية التي ينتمي إليها، كلما أبدع وحقق نجاحات أكثر في مجال عمله بعد تخرجه. فإذا تشّـكلَ هذا الفكر داخل البيوت المصرية في السنوات القادمة فلن نسمع عن حالة انتحار واحدة وستنبثق أجيال جديدة متوازنة تؤمن أن كل مجال يكمل الآخر، وأن المكان الوظيفي الواحد يضم تخصصات عديدة ومتنوعة فهي عبارة عن حلقات تسلم بعضها البعض من أجل إنجاح المكان الذي ينتمون إليه ومن ثمّ الظهور بصورة مشرقة تحقق الهدف المنشود.