الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

استقيلوا.. مصر تستحق


كما أن الفن ليس مجرد تسلية، فإن الرياضة ليست مجرد ألعاب، فلكل من الفن والرياضة أهمية عظمى عند الأمم، ولهما دور يتعدى تلك النظرة البسيطة التي ينكرها البعض لهما، فالفن يقوم على تهذيب الأمم، ويساهم بالقدر الأهم في الرقي بالإنسان، ويشكل الوعي العام للشعوب، ويحدد الأولويات التي من خلالها تنهض أمة من الأمم، والرياضة تمثل الجانب الأرقى من المنافسة، وتعمل على تحفيز الجزء السامي في الإنسان، وتمثل الدول في محافلها العالمية، فيدافع أبطالها عن ألوان علم البلد الذي ينتمون إليه، ويعزف في الصالات والملاعب النشيد الوطني للدول قبل انطلاق المباريات، تأكيدا على أن هذا الفريق يمثل تلك الدولة رسميا، ومن هنا يعلم الجميع أنه شرف ما بعده شرف أن يرتدي لاعب زي منتخب بلاده، حيث إنه في هذه الحال يمثل الوطن ذاته أعلى درجات التمثيل، ويكون مناطا به الدفاع عن اسم بلده، والذود عن علم وطنه، في مسابقة عالمية.

لقد كانت فرحة أبناء الشعب المصري هائلة بتأهل منتخبنا الوطني لكرة القدم إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا، ذلك التأهل الذي فشلنا في تحقيقه ثمانية وعشرين عاما، اكتفينا خلالها أن نشاهد منتخبات الدول الأخرى لست دورات، وفي كل مرة أخذنا خيالنا في رحلة افتراضية لتجيب عن هذا السؤال: ماذا لو كنا نجحنا في التأهل؟ وكانت تلك الرحلة من المتعة بمكان، حيث افترضنا تألق حسام حسن وزملائه، في مغامرة أخرى بعد مغامرتهم مع الجنرال محمود الجوهري، والتي لم نرض عنها آنذاك، ولكن لأن كرة القدم رياضة مراوغة، وجدنا الأعذار والافتراضات، كما عشنا في خيالنا في دورات كأس العالم مع جيل تريكه ورفاقه، الذي وصفناه - ونحن في ذلك محقون - بالجيل الأفضل؛ نتيجة لما حققه من إنجازات قارية تمثلت في الفوز بثلاث كؤوس أفريقية تحت قيادة المعلم حسن شحاتة، وكم كان خيالنا خصبا، حيث تناقلت أرجل لاعبينا الكرة بمهارة فائقة انتزعت من خلالها آهات الجماهير في الملعب، وتصفيق الأيادي لدرجة الاحمرار من الالتهاب، مشاهدين علم مصر خفاقا، وجماهير مصر مزينة الملاعب، حاملة إعلام مصر ملتفة بها، عارضين الفولكلور المصري في شوارع المدن التي تستقبل منتخبنا، مستمتعين باللقاءات التليفزيونية لنجوم منتخبنا على كبريات القنوات العالمية، محققين نتائج نتباهى بها بين أقراننا الذين نجحوا مثلنا في الوصول لنهائيات كأس العالم.

وبعد أن حقق منتخبنا الوطني بقيادة لاعبنا الفذ محمد صلاح نصف الحلم بالتأهل إلى المحفل الرياضي الأهم في العالم، أقمنا الأفراح، وخرج شعبنا في الشوارع والساحات والميادين، ليس داخل مصر فحسب، بل خارج مصر في كل دول العالم، وتغنينا باللاعبين، وأشدنا بالجهاز الفني، وشكرنا اتحاد كرة القدم المسئول عن شئون اللعبة، وأكثر من ذلك استقبلهم رئيس الجمهورية لتوجيه التحية والشكر لهم نيابة عن كل أبناء الشعب.

وتلاعبت الأماني بخيالاتنا، وعاشت معنا الأمنيات في منامنا، وانتظرنا انطلاق فعاليات بطولة كأس العالم في روسيا وقد أكل من الصبر، وتابعنا استعدادات المنتخب في مباريات تجريبية، خفق فيها القلب: خوفا وأملا حيث جاء الأداء سيئا، والنتائج أكثر سوء، وهاجم فريق منا المنتخب هجوما شرسا، وفضّل فريق آخر الدعم المطلق حيث رأوا أنه لم يعد هناك وقت لأي تغيير، ومن ثم اختاروا التحفيز والتحميس سلوكا، واضعين اليد على القلب.

وجاءت المباريات الرسمية، بعدما تطايرت من داخل معسكر المنتخب الأخبار تلو الأخبار المؤكدة أن هناك حالة هرج ومرج، وأن اللاعبين فاقدي التركيز، وأن هناك من يستغل المنتخب والحدث لأغراض شخصية، وأن هناك من يضع المصلحة الخاصة في سلم الأولويات، وأن مصلحة المنتخب والوطن تأتي في مرتبة متدنية من تلك الأولويات، وهاج لذلك وماج الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب المصري، وظن البعض – وأنا منهم – أن ما يشاع ليس أكثر من تصفية حسابات بين متصارعين، وأنه من المستحيل أن تكون الصورة التي صُدِّرت لنا حقيقية؛ فمن ذلك الذي يمكن أن يصدق أن الحلم الذي عشنا له وعليه – نحن جماهير الكرة المصرية وأبناء الشعب المصري – مدة ثمانية وعشرين عاما يتم التعامل معه بهذا المستوى "الواطي" ولذلك ظننا أن الصورة مبالغ فيها كل المبالغة.

ونزل لاعبونا أرض الملعب، واصطفوا لنستمع إلى نشيدنا الوطني المقدس، فإذا ببعض اللاعبين غير حافظين له، ولا مرددين له مع الموسيقى، وإذا بعلامات السكون تعتلي وجوه اللاعبين؛ فلم نشهد – كما هو الحال في لاعبي جميع المنتخبات المشاركة وخاصة منتخبات أمريكا اللاتينية – ذلك التحدي المرسوم على الوجوه، وملامح العزيمة والإصرار على قسمات اللاعبين، ثم في المباريات نفسها لم نشهد صراعا، وقوة ومحاربة على الكرة، هذا الصراع وهذه القوة التي يمكن أن تكون عوضا عن المهارات المهارية التي مُحِيَت محوا من أقدام لاعبينا وعقولهم بالطبع.

لم يقدم لاعبونا أي شيء يمكن أن ننسبه لكرة القدم، اللهم تلك السلبية منها، وهي الأخطاء القاتلة التي وقع فيها لاعبونا، ولم نكن نحن من هؤلاء الذين تصوروا أنه يمكن يتجاوز منتخبنا الدور الأول، نتيجة لفوارق مهارية وفنية وجسدية، ولكني أيضا لم أتخيل في أسوأ مراحل التخيل، ولا في الكوابيس! أن يكون هذا هو الأداء، وذلك ما أثبت بما لا يدع هناك أدنى مجالا للشك أن هناك أخطاء هائلة قد حدثت، وأن المهمة التي كان مناطا بالاتحاد تحقيقها، قد فشل فيها فشلا ذريعا، فشلا ليس بعده فشل، فبكل وضوح ودون أدنى مواربة قدم المنتخب المصري أسوأ صورة وأقل أداء في جميع الفرق المشاركة، وهذا بكل تأكيد لا يليق بمصر الدولة الرائدة، والتي أميز ما يميز أبناءها هو الانتماء اللامحدود لها، ومن ثم العمل بكل طاقة لإخراج أفضل ما يملكون، بروح التحدي الكامنة فيهم، والتي افتقدتها بعثة المنتخب الوطني ومن ثم اللاعبين، لتؤكد الفشل الذريع لاتحاد الكرة الذي يجب أن يتقدم باستقالته، لأن مصر تستحق أن تكون في مكانة لائقة بها في كافة المجالات، ومن يفشل في تحقيق ذلك، بعدما وُفِّرَ له جميع عوامل التفوق فعليه الرحيل غير مأسوف، ليترك الفرصة لمن لديه الإمكانات التي تمكنه من إدارة ناجحة، تحقق الهدف المنشود.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط