الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الثقافة لن تموت في القاهرة


لمدة 7 سنوات كاملة في مصر، وبالتحديد منذ اندلاع ثورة 25 يناير في عام 2011، وحتى اللحظة أصبح الحديث عن الثقافة في مصر شيئا منعدمًا بمعنى الكلمة. بعدما سيطر الحدث السياسي على كل مفردات الصورة.

فلنحو ثلاث سنوات كاملة وبالتحديد منذ عام 2011 وحتى 2014 كانت مصر تموج في حالة من الفوران السياسي والثوري ولم تعرف الاستقرار الحقيقي والرجوع من الشارع أو من الميدان حسبما يحلو للبعض إلا بعد يوليو 2013.

ومن وقتها وحتى الآن، وطوال 5 سنوات كاملة ورغم انتهاء الزخم الثوري ووشيوع حالة كبيرة من الاستقرار وانتهاء الفرقة السياسية. إلا أن الحديث العام خرج من فوران الشارع إلى جدل الاصلاح الإقتصادي والخلاف حوله ما بين مؤيد ومعارض.

ووسط هذا كله وحتى اللحظة لم يكن هناك أي حديث ولا حتى مؤشرات عن عودة لـ "فورة ثقافية" كانت مصر قد بدأت تطرق أبوابها في السنوات الأخيرة من حكم مبارك.

وما نعنيه في سطور محددة:

أن السبع سنوات الماضية شهدت مواتًا شعريًا وروائيًا ومسرحيًا كبيرًا. ولم تعد هناك حركة ثقافية تساير حالة الفوران السياسي والثوري ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله.

كما ان السبع سنوات الماضية لم تشهد اقترابًا حقيقيا او مؤثرًا من قضية ثقافية كبرة وجعلها مادة دسمة للتناول الإعلامي والرأي العام المصري.

فلم يتم الاقتراب من مشكلة الأمية – رغم أنها كانت ولا تزال موجودة وأساسية- أو مشكلة التنوير أو مشكلة الأثار المصرية او الرغبة في احداث تثوير ثقافي وعلمي كما كان موجودًا من قبل.

إن مصر على مدى القرون الماضية كانت تتميز بالفوران الثقافي والفني والروائي بها.

صحيح أن الحدث السياسي له أهمية خاصة في مختلف العقود والأوقات. لكن الثقافة كانت شأنا مصريا أصيلا في مختلف العقود والأوقات.

فمن مصر سطر نجيب محفوظ أروع الأعمال الأدبية والروائية في العالم، وأبدع توفيق الحكيم وتألق العميد طه حسين وكتب محمود عباس العقاد مجموعة من الدرر الفكرية.

كما خرجت منها أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وجوقة من كبار الموسيقيين والملحنين العظام على مدى قرن ذهبي بمعنى الكلمة. فمنذ ثورة 1919 وحتى اليوم وباستثناء السبع سنوات الماضية – العجاف ثقافيًا- شهدت مصر تموجات وعواصف ورياح ثقافية عاتية وغير مسبوقة والتراث الثاقافي المصري خلال الـ 100 عام الماضية تراث ضخم يصعب حصره أو الإلمام به، ويشبه جبل هائل كان ولا يزال بمثابة النور الذي طغى ثقافيًا وتنويرًا على العالم العربي كله.

واليوم وفي عز معمعة سياسية وإرهابية وأمنية في العالم العربي وفي عز حديث لم يهدأ في مصر عن الإصلاح الاقتصادي وفاتورته وتوقيته والخطوات التي تتخذ فيها. قد يتساءل البعض عن جدوى السؤال عن الثقافة أو الدعوة لإحياء مختلف النشاطات الثقافية من جديد؟

وقد يعتبر البعض ذلك فراغ من جانب كاتب أو ترفا ليس وقته.

لكن العكس تماما هو الصحيحن فمصر وفي عز الأحداث السياسية الضخمة التي مرت بها خلال القرن الماضي سواء أيام الاحتلال البريطاني أو الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي أو بعدها كانت تشهد دائمًا زخمًا ثقافيًا رهيبًا في مختلف المجالات.

فالثقافة في مصر لم تكن أبدا ترف. ولكنها مادة للتنوير والإشعاع داخليًا وخارجيًا ومادة للحياة، وفي صدارة القوى المصرية الناعمة.

ان مصر الحضارة هى الوجه المعروف في العالم كله، وموت الثقافة فيها لحساب الحدث السياسي أو لحساب الاندماج الكامل في الحدث الاقتصادي يضيع من مصر أوراقا ثقافية هامة ومغايرة. ويخرج أجيالًا تموج في الجهل لأنها لم تحضر اللحظة الذهبية الثقافية في مصر ولم تعايشها ولم تقرأ عنها أو فيها.

الثقافة في مصر كانت دائما عنصر مشارك في الحدث السياسي داخليا وخارجيا، تنير وتفتح مجالات للحركة، كما تعبر عن المكنون الداخلي للشعب المصري وتطلعاته وتعبر عن أحاسيسه وتصيغ اللحظة الحالية بكل عبقرية، سواء في مادة فنية أو غنائية أو روائية او مسرحية أو سينمائية أو في قضية فكرية يتجادل فيها المفكرون للصالح العالم او في جريدة تحس فيها بمعنى الفوران والحياة.

الثقافة ليست ورقة مهملة ولا ترفًا ليس هذا وقته في القاهرة.

ولكنها جزء من الحالة المصرية عبر التاريخ.

وعليه أقولها بملء الفم، بضرورة العودة الى الزخم الثاقفى رسميًا وشعبيا فمصر بثقافتها وليست بنفطها او بأي مورد آخر.

والمثقفون لم يموتوا ولن يموتوا في القاهرة ولكننا بحاجة إلى تعّبيد الطرق أمامهم من جديد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط