الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد الرميحي يكتب: يوم أن رحل شيخي

صدى البلد

لم أكمل حينها عامي الخامس عشر ، أذهب إلي المسجد قبل الأذان كي استمع إلى صوته المختلف عن كل مؤذني المدينة، وفي كل مرة أردد في جوفي مع نغماته الجميلة وهو يتنقل بين مقامات الرزد والنهاوند والبياتي والعجم والحجاز والكورد بكل انسيابيه رغم كبر سنه وقصر نفسه بسبب المرض، وأحلم في كل مرة أن أفعل مثلما يفعل وأنول شرف النداء للصلاة ..

وفي أحد الأيام، وكعادتي أذهب قبل الأذان بوقت كبير جلست أنتظر دخوله ، تأخر قليلا ، ثم جاء قبل موعد الصلاة بدقائق معدودات ، وهم بصلاة السنة، وهو في بداية الركعة الثانية ، سمعت أصوات المساجد المجاورة تنادي الناس للصلاة ماذا أفعل ، أحد المصلين (ا.خالد عبدالرحمن) نظر إلي وقال لي (قوم اذن) .

وبالفعل قمت وأذنت لصلاة الظهر والرعشة من الرهبة تكاد تقتلني وأكاد يغشى علي من الخوف.. أن تقف بين يدي الله تنادي للأذان ليس أمرا سهلاً ، خاصة وهي المرة الأولى لك وفي هذه السن الصغيرة وفي حضرة مؤذن المسجد وليس أي مسجد بل هو الأكبر في مدينتي ابوالمطامير وأحد أعرق مساجد محافظة البحيرة ، مسجد الشيخ_عبد الحكم .

قدرني الله وأتممت الأذان بشكل سليم ، وجلست إلي الأرض ألملم أنفاسي .. شعرت بيد صغيرة حنونة تطبطب على كتفي تهدىء من خوفي ، وسمعت صوته الذي تربيت عليه يقول لي وهو ضاحك (منتا كويس طب مبتازنش ليه)  وكأنه في هذه الجملة الصغيرة أعطاني شهادة ورخصة للأذان ، ومن تلك اللحظة ، وكلما رآني في المسجد قدمني لإعلان وقت الصلاة .

كثيرا ما كنت أقرأ عليه القرآن كي يضبط لي مخارج الحروف وأتقن التجويد ، وما شعرت معه مرة واحدة بضيق أو ضجر ..

وجهه دائم البشر والتبسم ، يحبه كل من يعرفه ، صوته يكاد يكون من علامات التراويح في شهر رمضان ، وسورة الكهف أكاد أقول إني لم أسمع منه غيرها من حبه فيها رغم حفظه القرءان الكريم كاملاً وبقراءات مختلفة .

وأثناء تصفحي لصفحات الفيس بوك أثناء سفري وعودتي من القاهرة، وجدت صورته تملأ الصفحات علي غير العادة . فاستغربت ، ولكن سرعان ما رحل استغرابي عندما قرأت خبر نعيه فوق صورته وإعلان رحيله إلى ربه .

شيخي ومعلمي وأستاذي وأحد أعلام القرءان الكريم، "فضيلة مولانا عبود شكشوك رحمة الله عليه، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، إنا لله وإنا إليه راجعون .