الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب : دقيقتان

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

أخاف ألا أجد لسؤالي إجابة لديها لذا كنت أسأله لنفسي، وكلما أوشك على الإمساك بالإجابة أشعر أن شيئًا ما صحيحًا يكاد يتخذ مكانه داخلي ثم يضيع وسط الفوضى التي تُحدثها عيناها المثبتتان نحوي، ووجهها شديد الاهتياج والاضطراب، وكأنها ترتكب جريمة ما وتحاول الاختباء، ولكنها كانت تختبئ في ضوء النهار، فالخيل التي تركض داخلها قادمة نحوي.. تركض داخلي، مُحدثة ضجيجًا صاخبًا أسفل الصمت البارد الذي نتقاسمه.

وبينما كل منا يختلس كعادتنا النظرات للآخر ، التقت نظراتنا على حافة اللوح الزجاجي الفاصل بيننا، فإذ بابتسامة ندية طازجة تزهر في شفتيها القرمزيتين، فيتوهج ضوء في مقلتي الحزينتين، وأشعر بدماء تجري في وجنتي الشاحبتين، ففي تلك اللحظة أذابت ابتسامتها سلسلة جبال الجليد القائمة على حافة اللوح الزجاجي، وأخرجت كلامي من شرنقته، فوجدتني أمد يدي المرتعشة إليها قائلا:
- صباح الخير
ردت وشفتاها مازالتا مشرقتين بابتسامتها التي أزهرت على تلك الحافة الزجاجية، قالت وهي تبتسم ويدها تحتفظ بيدي:
- أشعر أن في يدي جمرة ترتعش. 
استجمعت ما تبقى لدي من قوى، وابتسمت في ارتباك وحبات العرق الباردة تنزلق على عمودي الفقري، وقلت :
- وأنا أيضا.
وفي صمت مرت لحظتان ، وفي راحتينا تحدث قلبان. 
وسرى داخلي إحساس لا أدري كنهه، ولكنه يدغدغ مشاعري.. يجعلها بِكرا طاهرة كمشاعر طفل، فأشعر بلذة في أعماق الروح، تدفعني للاحتفاظ بيدها في يدي، ومخيلتي تسترجع ومضات من حلم قديم.. ونحن نسير معا في مساء خريفي، والهواء يحمل رائحة الشتاء، فنسمات الهواء الباردة تصافح وجنتيها فتجعلهما ورديتين منتعشتين، وقرص الشمس نحاسي اللون يسقط ويسقط وراء الأشجار التي تتمايل مع الهواء كاشفة عن ضوئه الواهن الذي يعكس جسدينا في ظل واحد يمتد على الأرض، ثم يتلاشى الضوء والظل، كما تتلاشى الحدود بين الواقع والحلم، ففجأة حررت يدها من هذا العناق الحار بعنف، فارتطمت أناملها بحافة الزجاج، وكأنها تريد أن تنفض عنها آثار ما جرى خلال الدقيقتين الماضيتين بالوجع الذي ينتقل من الأنامل إلى الجسد، فتعتصر عينيها وتضغط شفتيها، محركة أصابعها بشكل عمودي من أعلى لأسفل لتخفيف حدة الوجع الذي صنع دائرة ضمني قطرها فتألمت من أجلها.

وأسدلت جفوني على صورتها خلال الدقيقتين اللتين ركضت فيهما الخيل عابرة الحدود لأقبض على الإجابة بيدي، ولكنها كانت أشد عذابا من السؤال، فكلما يمر يوم أجد بيدي جمرة ترتعش.

رضا نايل