الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سجن شمائل.. قصة فتنة في عهد المماليك أذاقت المصريين العذاب

صدى البلد

في بدايات القرن الثالث عشر، وقعت فتنة كبيرة فى القاهرة بين المماليك، فلا يخلو يوم من تمرد للمماليك يدفع الجميع ثمنه من الناس، فيعتدى على طعامهم وبضائعهم وعمائمهم وتخطف النساء والغلمان وتنتشر الفاحشة.

ويروي الكاتب الكبير جمال الغيطاني في كتابه القاهرة في 1000 عام يقول : «كانت الفتن كثيرة الحدوث وقتئذ، تعودها الناس، فلا يخلو شهر من تمرد بعض المماليك فى القلعة، ونزولهم إلى الأسواق يخطفون ما بها من أطعمة وبضائع وثياب، وعمائم للناس، وأحيانًا كانوا يخطفون النساء والغلمان، ليفعلوا بهم الفاحشة، كل هذا لإثارة الاضطراب والذعر. ولكن فتنة الأمير منطاش كانت من الفتن الكبيرة فى عصر السلطان الناصر برقوق، وقد ذكرها مؤرخو العصر كعلامة بارزة أمثال المقريزى، وابن إياس، وابن تغرى بردى، وابن حجر».

وأضاف الغيطاني، :« الأمير منطاش قبض خلال هذه الفتنة على العديد من المماليك التابعين للسلطان الظاهر برقوق وكان بين هؤلاء المماليك واحد يقال له شيخ المحمودى، كان وقتئذ رجلًا ناضجًا، جاء إلى مصر وعمره اثنا عشر عامًا، وعرضه تاجر الرقيق على الأمراء فلم يشتروه لأن التاجر طلب ثمنا غاليا فيه، ولأنه جميل الصورة، هادئ الطباع، اشتراه الخواجه محمود شاه البزدارى تاجر المماليك، ولأن التاجر تعامل مع تاجر، فكان الثمن الذى دفعه الخواجه محمود يسيرًا، ثم قدمه هدية إلى الأمير برقوق قبل أن يتسلطن، وبرغم هذا استمر ينسب المحمودى إلى الخواجه، إذ إن المماليك كانوا ينسبون لأسيادهم».

وتابع الغيطاني: «لنقف قليلًا تحت بوابة زويلة، يمتد سور الجامع المرتفع بحذاء البوابة، في اتجاه باب الخلق، حتى ليبدو وكأنه جزء من سور القاهرة القديم، بينما يمتد ضلعه الشرقي مطلًا على شارع الغورية، حيث بوابة المسجد. هنا، فوق هذه الأرض التي يقوم فيها المسجد، كانت توجد بعض مبان عتيقة، أهمها سجن قديم، اسمه "خزانة شمائل" إلى هذا السجن الفظيع دفع بالأمير شيخ المحمودي، وضعوه في إحدى الحفر القذرة، قيدوا يديه وساقيه وعنقه بسلاسل حديدية مثبتة في الحائط، وكان الظلام كثيفًا، والروائح كريهة، وربما تأمل شيخ في حالة المماليك وقتئذ، لا يأمن واحد منهم على نفسه، مهما علا قدره، ومهما تولى من المناصب، في لحظة في إغماضة عين، ربما تقطع رقبته، أو يلقى في السجون.

وأضاف الغيطاني: «ربما فكر في أمور من هذه، لكن تفكيره لم يستمر طويلًا، والسبب يذكره لنا المقريزي: "في السجن قاسى الأمير شيخ المحمودي من البق والبراغيث شدائد، فنذر لله تعالى إن تيسر له ملك مصر أن يجعل مكان هذه البقعة مسجدًا لله عز وجل، ومدرسة لأهل العلم".

ولم يمض الكثير، حتى فشلت فتنة الأمير منطاش (أو مؤامرة بلغة عصرنا) وخرج الأمير شيخ المحمودي، تقلب في مناصب عديدة، كما قاسى محنًا وشدائد استغرقت من عمره وقتًا، ولكنه بالتأكيد لم ينس نذره الذي تعهد به، وهو أن يجعل مكان السجن الرهيب مسجدًا».