الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاحتجاجات في العراق.. عبث إيراني ومستقبل مجهول


عندما اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. سارعت الدول العربية كلها ما عدا نظام البعث السوري الحاكم في دمشق إلى مساندة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. ليس حبًا في صدام حسين قدر ما هو الصد به ومن خلال وقفته الخطر الفارسي الذي يهدد الدول العربية.

وعلى مدى ثمان سنوات من الحرب المريرة بين العراق وإيران. وقفت الدول العربية كلها مصر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مع صدام حسين في حربه ضد إيران، والتي انتهت بانتصار كبير على الملالي الحاكم في طهران وأعلن الخميني – المرشد الإيراني الأعلي- أنه يقبل باتفاق وقف إطلاق النار وكأنه يتجرع السم.

لكن الدرس المستفاد من هذه الحرب، أنه ما لم تكن هناك وقف صلبة قوية أمام الفرس وأمام النظام الديني الكهنوتي الحاكم هناك، فإن خطر الفرس سيتمدد كالسرطان في العديد من الدول العربية. ولن تنفع معه حيلة بعد التغلغل ولن تجدي معه محاولة. لأن الفرس لا يدخلون البلاد بمفردهم – كما كان الحال مع التتار في العهد المغولي- ولكنهم يصحبون معهم الخونة والجواسيس وبمجرد أن تطأ أقدامهم أي بلد يقومون فيه بتأسيس الميليشيات والجماعات المسلحة وهذا واضح شديد الوضوح في العراق واليمن ولبنان وسوريا.

تذكرت هذه الصورة وأنا أتابع الاحتجاجات العراقية الصاخبة المستمرة حتى اللحظة، ومنذ أكثر من 10 ايام في محافظات الجنوب العراقي البصرة وميسان وكربلاء وذي قار والنجف وتطوراتها.

الحقيقة أن هذه الاحتجاجات قد خلقت في هذا التوقيت خلقًا على الساحة العراقية – بمعنى الكلمة- وتم الدفع بها إلى الصدارة وعن عمد.

"فإيران الملالي" ومن واقع استباحتها الكاملة للعراق بعد سقوط بغداد عام 2003، رأت أنها غير قادرة على الوقوف أمام الطوفان الأمريكي وفرض العقوبات الاقتصادية الهائلة عليها ومنع تصدير النفط الإيراني إلى الخارج والوصول بصادراته إلى الصفر دون أن تصطحب معها العراق.

بمعنى أن يقوم الملالي بجر العراق إلى ساحة معركته. ليس فقط كي لايكون وحيدًا ولكن لأن العراق هى الجبهة الأقرب والأكثر ليونة في يده واستطاع اختراقها والتغلغل فيها إلى مدى رهيب خلال الـ 15 سنة الماضية.

فجاء قرار إيران المفاجىء بقطع إمدادات الكهرباء وقطع الأنهر المغذية بالمياه عن الجنوب العراقي وهو قرار متعمد وراءه أسباب سياسية واقتصادية.

وقد عبر عن ذلك وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان عندما قال نصًا" إن طهران قطعت الكهرباء والماء عن العراق لأسباب سياسية واقتصادية، وإنها لن تتراجع عن موقفها ما لم يأتي نوري المالكي – رئيس وزراء العراق السابق- أو هادي العامري – رئيس ميليشيا بدر المسلحة إلى رئاسة الحكومة القادمة – وكلاهما تابع لإيران وينفذ أجندتها داخل بغداد- وهذا أولًا..

وما لم يدفع العراق مبلع مليار دولار نقدًا إلى إيران جراء الديون المترتبة عليه في إمدادات الكهرباء.

أما السبب الذي لم يقله وزير الطاقة الإيراني، فهو قيام طهران بقطع الكهرباء والماء عن المحافظات الشيعية جنوب العراق عمدًا وقبل أسابيع قليلة فقط من فرض العقوبات الصارمة على طهران للعمل على إرباك سوق النفط العالمي

فالملالي يريد أن يعطل إنتاج العراق النفطي عن الأسواق لكي يكون فرض العقوبات عليه شيئا مستحيلًاـ فالعراق هو ثاني أكبر منتج عربي للنفط بعد السعودية.

ومنع إنتاج النفط العراقي عن الأسواق وإرباك الجبهة الداخلية بالتظاهرات وتهديد شركات النفط وقطع الطرق المؤدية إليها ومحاصرة الآبار كما حدث في حقل الزبير النفطي في البصرة.

سيبعث برسالة قوية إلى الرئيس ترامب ودول الخليج أن إيران قادرة على تنفيذ تهديداتها الأسبوع الماضي على لسان الرئيس حسن روحاني وقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بأن إيران لن تسمح بتصدير نفط الخليج ما لم تقم هى الأخرى بتصدير نفطها!

فالقضية ليست تظاهرات عنيفة تجتاح العراق لحالها. لأن ملايين العراقيين يئنون في البؤس والفقر وانعدام الخدمات وتردي الأوضاع الاقتصادية منذ سقوط النظام السابق الذي كان يقوده صدام حسين، ولكنها احتجاجات صنعت صنعًا من جانب إيران حتى يشتعل العراق بالكامل ولا يكون الحدث الإيراني في الواجهة العالمية كما كان طيلة الشهور الماضية.

واذا كان ترامب مصرًا بالفعل على فرض العقوبات- كما يري صانع القرار الإيراني فعليه أن يخلق بديلًا للنفط الإيراني والنفط العراقي حتى لايصل سعر البرميل إلى أكثر من 150 دولارًا.

المثير أن إيران ومن داخل احتجاجات البصرة جنوب العراقن بعثت برسالة أخرى مفادها أن جماعات الحشد الشعبي المسلحة التي تتبعها وميليشياتها التي تأتمر بأمرها قادرة على إثارة اضطرابات في حقول النفط شمال الكويت!

أي أن الضغوط الغربية لو زادت على الحد على إيران، فإنها ستلعب بالنفط العراقي والكويتي وستشعل الأرض حتى لايصدر نفط البلدين وليقابل ترامب عقوباته ويقول للعالم كيف سيواجه نقص انتاج النفط في البلدان الثلاثة!

إنها خطة إيرانية شريرة رسمها نظام الملالي الحاكم في طهران بإحكام شديد. واليوم إذا تراجعت طهران بعض الشىء وأعادت تزويد العراق بالكهرباء والماء وفك الأزمة الحالية فإن الرسالة وصلت إلى ترامب..

أن إيران ليست هى التي ستعاني اقتصاديًا ولكنها أمريكا أيضا ودول الغرب المستوردة للنفط..

أما عن العراق وقد كان هو البداية والنهاية في مقالنا..

فلا نقول إلا أن أن بقائه في الاسر الإيراني، رهينة للفوضى والأجندات الخارجية سيبقيه بعيدا عن وضعه وحجمه الطبيعي كقوة عربية كبرى.

للأسف القرار العراقي لم يعد في يد العراقيين ولكنه يصنع داخل عواصم عربية وغربية أخري والاخطر صناعته في طهران، التي تشكل العراق وتدفع بحكوماته وصراعاته وحروبه الطائفية والمذهبية على هواها.

العراق أمامه مستقبل غامض ومجهول ما لم توضع نهاية صارمة لنظام الملالي الحاكم في طهران. وما لم يقم العراقيين أنفسهم بتفكيك هذه الميليشيات والعصابات المسلحة وتقوية الدولة والعودة من خلال نظام سياسي قوي يعيد بغداد ويعيد العراق للعراقيين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط