الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

توازنات العرق والملح والطاقة في أجسامنا


في أجسامنا آليات تحفظ توازننا الحركي والكيميائي دون أن نشعر، كل آلية منها بمثابة علم يدرس في كلية الطب، سنختار من هذه الآليات إفراز العرق وتوازنات الملح والطاقة ونعرضها في ملخص مفيد بقدر ما يسمح المقال.

العرق نعمة من الله وطريقة تبريد ممتازة، وجلد الإنسان يعمل كجهاز تكييف، فعندما يتبخر العرق يسبب التبريد ويترك كمية من الملح على الجلد والملابس، وطاقة الإنسان في العرق تصل إلى 14 لترا يوميا لكن لا يستخدمها كلها، ولا يتساوى الناس في كمية العرق لأسباب وراثية وكيمياوية، فهناك من يعرق أكثر من غيره أربع مرات، كما أن أصحاب الوزن الزائد يبذلون جهدا أكبر في الحركة فيعرقون أكثر.. فما هي خلفيات العرق والملح المصاحب له، وهل فيها ما يدعو للقلق؟

في جسم الإنسان البالغ حوالي 300 جرام من ملح الطعام (كلوريد الصوديوم)، يفقد منها حوالي 3 جم مع عدة لترات من الماء في كل يوم حار وعمل شاق ويجب تعويضها، ومن محتويات العرق أيضا بعض اليوريا وحمض اللاكتيك وقليل من معادن أخرى، لكن عنصر الصوديوم يمثل أكثر من ثلثي هذا الوزن، وهو ضروري جدا لاستمرار الحياة لأنه يحفظ نسبة الماء ثابتة في الجسم، ويجب أن يكون مستواه ثابتا أيضا لأنه لو زاد سيحجز الماء بالجسم ويسبب ارتفاع ضغط الدم، ولو نقص يؤدي إلى تشنج في العضلات ودوار وغيبوبة.. ولأننا نتناول الملح بشكل عشوائي، تقوم الكليتان بدور "مشكور" في ضبط مستواه دون علمنا، أما منع الملح نهائيا فمستحيل، وإدراج البعض له ضمن قائمة "السموم البيضاء" غير منصف أيضا لأن لا حياة بدونه كم ذكرنا.

تعويض الماء أسهل بكثير من تعويض الملح في ظروف العمل الشاق، فغالبا سيشرب العامل قدرا مماثلا للماء الذي فقده، لكنه يجهل كمية الملح، وهناك مشروبات غنية بالملح يتناولها الرياضيون باستمرار ولا يسمع عنها العمال البسطاء. ومن فضل الله أن أغلب المأكولات بها أملاح طبيعية تعوض نسبة الفاقد من الملح والباقي يضاف يدويا عند الإعداد، وهو الجزء الذي يسهل التحكم فيه عند مرضى ضغط الدم.

يلاحظ بعد العرق الغزير ظهور ملح على الملابس خصوصا إذا كانت داكنة أو ملونة، وهي ظاهرة طبيعية لا يمكن تحاشيها وتحدث حتى بعد الاستحمام بدقائق، لكنها قد تسبب الحرج للبعض.

وأحيانا يفرز العرق لأسباب غير حرارة الجو، فعند التوتر والخوف مثلا يزيد عرق الإبط، كما يفرز العرق في الصدمة العصبية والذبحة الصدرية والانخفاض الشديد في مستوى السكر بالدم (ما يعرف بالعرق البارد)، وكذلك في الحميات وزيادة نشاط الغدة الدرقية وبعض السرطانات، وقد يكثر العرق دون سبب لمجرد نشاط زائد للأعصاب اللا إرادية.

وأحيانا يحدث تجاوز لقدرة العرق الترطيبية فترتفع حرارة الجسم، وعلى قدر الحالة تقاس الخطورة التي قد تصل إلى فقد الوعي وما يعرف بضربة الشمس أو السكتة الحرارية (Heat stroke).

ويفيد العرق في التحاليل، فمن خلال نسبة الكلوريد فيه يمكن تشخيص مرض التليف الكيسي عند الأطفال.. ولا توجد قطرة مصنعة من العرق تشفي الماء الأبيض في العين كما يدعي بعض الدجالين على وسائل الإعلام.

أما توازن الطاقة في أجسامنا فلا يقل أهمية عن توازن الأملاح.. نشاطنا في الحياة محسوب بكل دقة ومتوقف على توازن الطاقة المكتسبة من المأكولات والمشروبات، والطاقة المفقودة في بذل الجهد وتدفئة الجسم وتسيير التفاعلات. وعليه، فإن للطاقة ميزان سالب وميزان موجب.. الميزان السالب يعني أن الداخل من الطاقة إلى الجسم أقل من المستهلك فيقل الوزن ويضعف الجسم ويتراجع النمو والأداء وحتى النشاط الجنسي، والميزان الموجب يعني أن الطاقة المكتسبة أكثر من المستهلكة، ما يعني زيادة فى التفاعلات وتوليد الحرارة وكثرة العرق وخزن الزائد من الطاقة على هيئة دهون وزيادة الوزن مع كل ما يتبعها من مشاكل مثل ارتفاع كوليسترول وضغط الدم وداء السكري وأمراض القلب.

توازن الطاقة لا يعني ثبات وزن الجسم فقط، بل يعني صحة تامة وأداءا مثاليا ومزاجا عاليا، وهناك جداول بعدد السعرات الحرارية في كل 100 جم لجميع المأكولات والمشروبات والسعرات المناسبة لكل شخص، لكن يصعب على العوام فهمها وتنفيذها.

وكما يقوم الجسم بضبط الأملاح بواسطة الكلى كما ذكرنا، يقوم بكبح التقلبات في ميزان الطاقة قدر الإمكان من خلال منطقة تحت المهاد في المخ والهرمونات التي تضبط أنشطة الجسم الكيميائية والنمو والحالة النفسية، وأحيانا يحاول شخص الالتزام بحساب السعرات المطلوبة أو الذهاب إلى "الجيم" بأمر من الطبيب، ثم يشكو من عدم تحقيق نتائج، لأنه في الواقع لم ينتبه إلى اكتساب سعرات دون أن يشعر، ولم ينتبه إلى استخدام المخزون في جسمه بالطرق الصحيحة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط