الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الهبوط المفاجئ


من أصعب الأمور على البشر تغير الحال المفاجئ، يظل المرء ملهوّا في حاله حتى تأتيه العاصفة التي تقذف به إلي غياهب الظلام، فيظن أنه بداخل بئر أملس يصعب بل يستحيل الخروج منه، من مُلك وسُلطة إلي لا شيء، يشعر المرء حينها أنه يحيا ولا يحيا، يتغير البشر من حوله، تتغير موازين الأمور، وتختلف الحياة حينها ، فيقف مع نفسه وقفة تأمل محاولًا إعادة المشهد واسترجاعه لعله يجد لنفسه مخرجًا.

البعض يستطيع التحمل وتخطي تلك الظلمات ويسعي من جديد لإثبات ذاته وإعادة بصمته إلى الوجود حتى ولو كانت في طريق مختلف عما اعتاد عليه، تظهر هنا روح المحارب الجسور الذي لا يعرف اليأس بل يحيا ليحارب وينتصر ، مهما كانت الظروف من حوله يظل يسعى للانتصار والمجد، ويثبت بالفعل ذاته ويعيد مجده ولو بعد حين.

والبعض الآخر ينهار ولا يقوى على الحراك ، فيبتعد عن الجميع ويميل إلى العزلة والصمت ، يحيا على ذكريات الماضي ويرفض إعادة التجربة، فيمرض ويتمكن الحزن منه ، فينتهي، وتتلاشى ذكراه مع الزمن وكأنه لم يحيا من قبل ولَم يكن شيئًا مذكورا .

كلٌ صاحب قراره ، إما الحرب والانتصار وإما الموت حيًا، تختلف ردود أفعالنا وفقًا لقوة الروح، فالبعض منا ضعيف بطبعه لا يستطيع أن يتقبل القدر بكل ما فيه من فتن، يقبل الخير وينهار أمام الشر وقد يكون الشر خيرًا ولكنه لا يستطيع التعرف عليه ولا يتقبل الخوض فيه.

لا شك أن الهبوط المفاجئ يؤدي إلي صدمة قاسية ، تمر علي الجميع بالألم والحزن ولكن يجب أن نتخطاها جميعا و أن لا نلتفت للحزن، فالحزن يُمرض ويقضي علي ما تبقي من جميل النفوس، ويُذهب العقل ويعمي القلب، علينا جميعًا أن نستعيذ بالمولى عز وجل من الحزن، فقد ذهبت عينا يعقوب منه، ولو صبر واحتسب لكان خير له فالقدر محسوم ولا مفر منه.

أستطيع أن أتفهم الألم الذي يشعر به المرء حين يجد نفسه فجأة منزوع المُلك، لا هيبة له ولا سند، بعد فترات طويلة اعتاد فيها أن يكون ملكًا مسيرًا لأمور البشر، المشكلة الكبرى أن المُلك له زهوته وبريقه فيغري صاحبه ويسحبه إلي عالم آخر خيالي يظن فيه المرء أنه إله يقول للشيء كن فيكون، فينسي أنه إلى زوال وينسي أنه يومًا ما سوف يواري جسده التراب ويتلاشى مع تراب الأرض ويُصبح لا شيء يُذكر ، كل ما يمكن أن يتبقى منه هو السيرة العطرة والعمل الصالح الذي يجعل الناس تدعو له بالخير، أو تلاحقه ذكراه الخبيثة فيدعو عليه الجميع ويتمنوا له ظلمات جهنم وبردها.

تذكر يا صاحب المُلك أن المُلك لله وحده لا شريك له وأنك فقط أمين علي مُلك الله لفترة ليست أبدية إنما هي محدودة بزمان ومكان فلا تغتر ولا تنس ولا يلهيك المُلك عن ذكر الله وعمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل ثم العدل بين الناس، حتي إذا جاء موعد نزع المُلك عنك تبقى ذكراك العطرة الطيبة ويتذكرك الجميع بكل خير ، ويجد لك المَلِك مخرجًا يُعيد إليك شتات نفسك التي تتمزق مع نزع الملك منك.

"قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط