الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تعرف على أعمال الحج في يوم التروية

صدى البلد

يستعد أكثر من 2 مليون مسلم للوقوف بعرفة غدًا الاثنين، ويبتون مساء اليوم الأحد بـ «منى» حتى فجر اليوم التاسع ثم يغادرونها إلى عرفة، وتبلغ مساحة مشعر منى بحدوده الشرعية نحو 17 كيلومترًا مربعًا ويقع بين مكة المكرمة ومشعر المزدلفة على بعد سبعة كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام وهو حد من حدود الحرم تحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية ولا يُسكَن إلا مدة الحج.

ويرصد «صدى البلد» في هذا التحقيق سر تسمية يوم التروية بهذا الاسم، وكيفية استعداد الحاج قبل عرفة.

لماذ سمي يوم التروية؟
قالت دار الإفتاء المصرية، إن اليوم الثامن من ذي الحجة، هو يوم التروية، لافتة إلى أن العلماء ذكروا في تسميته بهذا الاسم سببين.

وأوضحت «الإفتاء»، في إجابتها عن سؤال حول سبب تسمية اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية، أنه سمي بذلك لأن الحجاج كانوا يرتوون فيه من الماء من أجل ما بعده من أيام، مستشهدة بما رواه العلامة البابرتي في "العناية شرح الهداية" (2/ 467): [وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى].

وأضافت أنه سُمي أيضًا بذلك لسبب آخر، قيل: سمي بذلك لحصول التروي فيه من إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل، فقد قال الإمام العيني في "البناية شرح الهداية" (4/ 211): [وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ليلة الثامن كأن قائلًا يقول له: إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح تروى، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا، أم من الشيطان؟ فمن ذلك سمي يوم التروية.

وتابعت: "وفيه ينطلق الحجاج إلى منى، ويحرم المتمتع بالحج، أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما، ويبيتون بمنى اتباعا للسنة، كما يصلون فيها خمس صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وهذا فجر يوم عرفة".

كيفية استعداد الحاج؟

قال الدكتور علي جمعة، مُفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إن الحاج سواء أكان معتمرًا قائمًا للحج، أو كان متمتعًا، أو مفردًا؛ فإنه يأتي في اليوم الثامن وهو يوم التروية ويُحرم من مكانه أو كان محرمًا منذ خروجه من بيته فهو مُحرم فعلًا وباقٍ على إحرامه، وإن كان مفردًا كذلك فهو مُحرم مادام دخل من الميقات.

وأوضح «جمعة» في إجابته عن سؤال: «كيف يستعد الحاج للوقوف بعرفة؟»، أن المتمتع يُحرم ويلبس الإحرام من مكانه، ويجوز له أن يُحرم في اليوم (الخامس- السادس- السابع - الثامن) في أي وقت، ولذلك عند الشافعية من فقد الهدي يجب عليه {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} بنص القرآن .

ونوّه بأن معنى ثلاثة أيام في الحج، قال فيها كثير من الفقهاء، بأن يكون المُسلم متلبسًا بالإحرام، مشيرًا إلى أنه لابد أن يُحرم أولًا، فيُحرم يوم خمسة ويصوم خمسة وستة وسبعة، أو ستة وسبعة وثمانية، وهو محرم.

وأضاف أن من الإحرام، أن يبدأ قبل الثامن خاصة إذا كان عليه هذا الصيام عند الفقد، ثم بعد ذلك يخرج من مكة في حدود الساعة التاسعة العاشرة صباحًا متوجهًا إلى مِنى في يوم التروية وهو اليوم الثامن، وهناك يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم التاسع وهو يوم عرفة وهو في مِنى.

وتابع: ومن لم يذهب في يوم التروية لا شيء عليه؛ لأنه هيئة من هيئات الحج، لا هي فرض، ولا هي واجب؛ إنما هي سُنَّة وهيئة، موضحًا أنه بعد ذلك سواء من كان في مكة (كمن لم يذهب إلى مِنى للزحام) أو كان في مِنى وأصبح الآن في اليوم التاسع وهو يوم عرفة فإنه يتحرك إلى عرفة بحيث إنه يظهر إليها قبيل الظهر؛ لأن وقت الوقوف عند جماهير الأمة يبدأ.

التوجه إلى عرفة مباشرة:

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن السعي في المسعى الجديد سعيٌ صحيحٌ تَبرأ به الذمة وتَسقُط به المطالبة والتكليف.

أكد «علام» في فتاوى توضحية عن مناسك الحج، أن التيسير ورفع الحرج وإزالة المشقة مقصود عام شرعي من مقاصد الإسلام، وهو سارٍ في الأحكام الشرعيَّة بصورة عامة، ومرعيٌّ في أحكام وأعمال شعيرة الحج بصورة خاصة؛ درءًا لِمَا يحدث من إصابات ووفيات ناتجة عن تزاحم الحجاج في أوقات واحدة على مناسك محددة، وتحقيقًا للموازنة بين المصالح المتعارضة من أداء العبادة على وجهها ومصلحة حفظ الأنفس، فليس من الشرع ولا من الحكمة تطبيقُ شيء مستحب أو مختلف فيه على حساب أرواح الناس ومُهَجِهم، وعليه فإننا نرى صحة السعي في المسعى الجديد وأنه سعيٌ صحيحٌ تَبرأ به الذمة وتَسقُط به المطالبة والتكليف.

وأجاز المفتي من باب التيسير أن يذهب الحاج مباشرة إلى عرفة، دون المبيت بمنى أو دخولها، وهو ما عليه الفتوى مِن أن المبيت بمنى ليلة عرفة مستحب، وليس واجبًا، وهو أيضًا معتمد الفتوى بشأن المبيت بمزدلفة؛ حيث يترجح القول بسنية المبيت فيها، وهو قول الإمام الشافعي في "الأم" و"الإملاء"، وقولٌ للإمام أحمد كما حكاه صاحب "المستوعب" مِن الحنابلة، خاصة أن الجمهور القائلين بوجوب المبيت يسقطونه عند وجود العذر.

وأضاف أن من الأعذار حفظ النفس مِن الخطر أو توقعه، فيكون الزحام الشديد الذي عليه الحجُّ في زماننا والذي تحصل فيه الإصابات والوفيات -سواء أكان حاصلًا للحاج في مكانه أم متوقَّعَ الحصول في المكان الذي سيذهب إليه- مرخِّصًا شرعيًّا في ترك المبيت عند الموجِبين له.

وعدَّد المفتي صورًا للأعذار التي يجوز معها التيسير؛ كمَن انتهى إلى عرفات ليلة النحر واشتغل بالوقوف بعرفة عن المبيت بالمزدلفة، وكالمرأة لو خافت طروء الحيض أو النفاس فبادرت إلى مكة بالطواف، وكمن أفاض مِن عرفات إلى مكة وطاف للركن ولم يمكنه الدفع إلى المزدلفة بلا مشقةٍ ففاته المبيت فلا دم عليهم لترك المبيت.

واستطرد: ليس مِن شرط الزحام المرخِّص في العذر أن يكون حاصلًا في المزدلفة نفسها؛ بل المقصود هو الوصول إلى ما يمنع تكدس الحجيج عند تدافعهم في النفرة منها بأي وسيلة، وفي هذه الأزمنة التي زادت فيها أعداد الحجيج زيادةً هائلةً وتضاعفت أضعافًا مضاعفةً في أماكن المناسك المحدودة؛ ولذا فقد أصبح الزحام متوقَّعًا في كل لحظةٍ.

وأشار إلى أن وقت رمي جمرة العقبة والجمرات أيام التشريق يبتدأ مِن نصف الليل والنفر بعده في الليلة الثانية منها، لأنه لَمّا كان الليل يبدأ مِن غروب الشمس وينتهي بطلوع الفجر الصادق، فإن نصفه يُحسَب بقسمة ما بين هذين الوقتين على اثنين وإضافة الناتج لبداية المغرب، لا بقسمة ما بين العشاء والفجر كما يظن بعضهم.

وأوضح المفتي، أن كثيرًا مِن العلماء كالشافعية والحنابلة وغيرهم قد أجازوا الرمي بعد نصف ليلة النحر للقادر والعاجز على السواء؛ استدلالًا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" (سنن أبي داود/ 1942)، ومن ثَمَّ يباح النفر بعد الرمي، تمامًا كالقول في الرمي ليلة النحر، وهذا هو مقتضى النقل عن السلف في قياس الرمي أيام التشريق على الرمي ليلة النحر.

وأفتى بأنه يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى آخر مكث الحاج بمكة ليُغنِيَ عن طواف الوداع، ولا يضر ذلك أداءُ السعي بعده، تقليدًا للمالكية والحنابلة حيث أجازوا الجمعَ بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد، بناءً على أن المقصود هو أن يكون آخر عهدِ الحاج هو الطواف بالبيت الحرام، وهذا حاصل بطواف الإفاضة، ولا يضر سعي الحاج بعده؛ لأن السعي لا يقطع التوديع.

واستكمل: كما أنه لا مانع شرعًا من المبادرة بشراء صكوك هدي التمتع مِن المدينة المنورة؛ استغلالًا للوقت وسهولة الوصول للجهات التي تؤدي خدمة الصكوك وقلة الزحام بالمدينة مقارنة بمكة المكرمة، لأن غاية الصك هي توكيل الغير في الذبح، ويجوز شرعًا تقدم التوكيل بالذبح على الإحرام بعمرة التمتع؛ فإنه إذا جاز تقدُّم التوكيل بالحج عن الغير على الإحرام، جاز تقدم التوكيل عن بعض أعمال الحج كالذبح، فما جاز للكل جاز للبعض بداهة.

وألمح إلى أن الأمر في ترتيب الأعمال المشروعة يوم النحر واسع وغير واجب، وهي أربعة: رمي جمرة العقبة الكبرى، وذبح الهدي، والحلق، والذهاب إلى مكة لطواف الإفاضة.

واختتم المفتي بقوله يجوز شرعًا للحاج أن يمكث بالمدينة المنورة بعضًا من الأيام قبل التوجه إلى مكة لأداء مناسك الحج، حتى يتسنى له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، وأكثرها قبولًا عند رب البريات، فلا مانع شرعًا مِن تقدم ذلك على مناسك الحج أو تأخره عنها، لأنها قربةٌ مستقلةٌ لا علاقة لها بمناسك الحج في نفسها.

أعمال يوم التروية:

يستحب للذين أحلوا بعد العمرة، وهم المتمتعون أو من فسخوا إحرامهم إلى عمرة من القارنين والمفردين، أن يحرموا بالحج ضُحى من مساكنهم، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة، أما القارن والمفرد الذين لم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول، لقول جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: "فحل الناس كلهم وقصروا, إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هَدْي, فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلّوا بالحج" (رواه مسلم).

ويشرع لمن يريد الإحرام الاغتسال، والتنظف، والتطيب، وأن يفعل ما فعل عند إحرامه من الميقات، ويستحب أن ينوي الحج بقلبه ويلبي قائلًا: لبيك حجًّا، وإن كان خائفًا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط، فقال: فإن حبسني حابس فمحلّي حيث حبستني، وإذا كان حاجًّا عن غيره نَوَى بقلبه الحج عن غيره، ثم قال: لبيك حجًّا عن فلان, أو عن فلانة, أو عن أم فلان إن كانت أنثى, ثم يستمر في التلبية "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، وإن زاد: (لبيك إله الحق لبيك) فحسن؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويستحب للحجاج التوجه إلى منى ضُحى اليوم الثامن قبل الزوال والإكثار من التلبية، ويصلي الحاج بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر التاسع قصرًا بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران؛ لقول جابر رضي الله عنه: "وركب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منى, فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس" (رواه مسلم). ويقصر الحجاج من أهل مكة الصلاة بمنى، فلا فرق بينهم وبين غيرهم من الحجاج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم قصرًا ولم يأمرهم بالإتمام, ولو كان واجبًا عليهم لبيّنه لهم.

ويسن للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة، لفعله صلى الله عليه وسلم. فإذا صلى فجر اليوم التاسع مكث حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت سار من منى إلى عرفات ملبيًا أو مكبرًا; لقول أنس رضي الله عنه: "كان يُهِلّ منا المهلّ فلا يُنكر عليه، ويكبِّر منا المكبِّر فلا يُنكر عليه" (رواه البخاري بلفظه، ومسلم). وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك, لكن الأفضل لزوم التلبية; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لازمها.

ويستحسن للحاج فعل هذه الأشياء السابقة تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وليست واجبة، فلو قدم إلى عرفة يوم التاسع مباشرة جاز، لكن لا بد أن يقف بعرفة محرمًا، سواء أحرم يوم الثامن أو قبله أو بعده.