الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بلاد السعادة بين الواقع والأسطورة.. حدوتة الحاكم المحكوم!!


هل فكرت يوما إن كان هناك بلاد للسعادة؟ وأين هى؟ هل يهاجر منها أهلها مثلا، أو تحتوى علي معارضة؟
عندما ذهبت إلى مشاهدة العرض المسرحى الجميل "حدث فى بلاد السعادة"، سألت نفسى هذه الأسئلة وأنا فى الطريق، وعلى الرغم من أنه كانت لدى أفكار للأجوبة، فإننى فضلت ألا أتخذ قرار الجواب لحين مشاهدة العرض، وإليكم التجربة.

عرض مسرحى من فصل واحد، مقسم إلى عدة مشاهد يتغير فيها الديكور بشكل بسيط، تشبه فى تقنياتها بعض عروض المسرح التجريبى التى كنت أشاهدها منذ زمن، يبدأ العرض بغناء يشرح لك وببساطة فلسفة العرض ويعتبر جزءا لا يتجزأ منه، والحقيقة أنه ممتع لأداء وائل الفشنى وفاطمة محمد علي كل ليلة الغناء حى فيما عدا آخر أغنية فى العرض، وهما يرتديان الزى الأبيض (زى السعادة)، اعتبر المخرج الصالة جزءا من المسرح فيدخل منها الأبطال ويخرجون، وقد يعنى ذلك داخل العرض أن الجمهور هو جزء من الشعب الذى يبحث عن السعادة.

بعد بداية العرض ببضع دقائق ستبدأ تلقائيا فى عمل إسقاطات سياسية ومحاولة إيجاد أبطال العمل فى الواقع، ولكنى أنصحك ألا تنشغل بذلك، فقط ادخل بحسك الفنى للاستمتاع بتقنيات ومفردات العمل الفنية الكثيرة: فى البداية ستأخذك التعبيرات الحركية الرشيقة، والجمل الحوارية القصيرة المتبادلة بين أبطال العرض دون ملل وهى باللغة العربية الفصحي، ثم ستأخك الحكاية سريعا إلى عقدة الدراما (الحطاب الذى تصور أنه سينصح الأمير فوجد نفسه أميرا وعليه أن يصارع من أجل قراره أولا حتى لا يكون محكوما).

سوف يثير إعجابك أداء راقٍ جدا لكل فنان فى دوره، حركة رشيقة غير مفتعلة، ملابس مناسبة مع قلة ميزانية مسرح الدولة، حدث ولا حرج عن مخارج ألفاظ سليمة وجميلة تشعرك بروعة لغتنا العربية التى هى "يسر لا عسر"، بعض الفكاهة أحيانا من خروج عن النص وأعتقد أنه اجتهاد من الممثلين حتي يكون العرض جماهيريا.

لابد أن نفخر بأن قطاع مسرح الدولة يقاوم تيار السذاجة والسطحية الذى طال قطاعات فنية أخرى، فتجد مثلا دراما التليفزيون بكل قصد تعطيك حدوتة غير ممتعة، وتنقل لك وتقنعك بواقع هو فى الحقيقة استثناء على أنه القاعدة، وسينما ليست بالبعيدة عن ذلك إن لم تكن ظروفها الإنتاجية وأبطالها فى غالبيتهم لا ينتمى وجدانهم إلى ثقافة حقيقية، أكثر من انتمائهم إلى شبكات العلاقات ورؤوس الأموال الحاكمة.

هل لأن مسرح الدولة لم يعد قطاعا جماهيريا منذ فترة لم تهتم به تلك القطاعات الحاكمة؟ أم أن أبطاله هم الفنانون الحقيقيون الذين يمكننا الاعتماد عليهم فى بناء جيل فنى حقيقى؟ فى الواقع أن السببين لا ينفصلان فى كونهما درع حماية لهذا القطاع الفنى.

كانت قناعتى بعد العرض أن السعادة شعور داخلى فى وجدان الإنسان مهما كانت ظروفه، وأن الأحكام المطلقة ليست دقيقة فليس هناك بلاد للسعادة وأخرى للتعاسة، خلق الله من كل شيء متناقضين مثل الذكر والأنثى، إن شعرت يوما أنك وصلت للسعادة المطلقة فأنت تعيش أسطورة حياتك، وإنما عليك أن تفعل ما تحب فتعيش سعيدا، ألا تخف من تجربتك لأنها مصدر للسعادة بالنسبة لك.

عليك ألا يكن دورك فى الحياة حاكما وتقبل أن تعيش محكوما!!! اصطحبوا أبناءكم لمشاهدة المسرح والاستمتاع بتجربته، علموهم أن المتعة لها وجوه عدة حتى و إن لم يستوعبوا التجربة كلها فإنها ستترك فى عقلهم وخيالهم أثرا يساعد على تكوين عقولهم ووجدانهم بشكل ثرى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط