الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حادثة مقتل طفلي ميت سلسيل كاشفة !


حدث بشع ذلك الذي خُتِمَ اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك به! ففي مساء ذلك اليوم ضج الموقع الاجتماعي الأول في العالم فيسبوك بأنباء عن حادثة خطف طفلين في ملاهي مدينة ميت سلسيل، وكانت الرواية التي تناقلها الجميع أن هناك شخصا غريبا شغل الأب لتقوم منتقبة مستخدمة توك توك بخطف الطفلين!

تفاعل الجميع مع الحادثة باعتبارها خطفا، وأول ما تبادر للذهن - قياسا على حوادث سابقة - أن عصابات خطف الأطفال والاتجار بالأعضاء وراء ذلك، فكانت الصرخة المدوية التي انطلقت من الحناجر في وقت واحد واستمرت ساعات بضرورة إجراء تشريع ليصبح الإعدام هو عقوبة خطف الأطفال، وتصدّر ذلك المطلب منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، في الوقت نفسه الذي حاول الجميع مساعدة الأسرة التي فقدت طفليها من خلال البحث أو النشر.

في صبيحة اليوم التالي لعملية "الخطف" جاءني اتصال من أحد أبناء أهلنا من ميت مرجا سلسيل القريبة من مركز ميت سلسيل الذي وقعت فيه عملية "الاختطاف" وطلب مني الصديق أحمد جبل أن أفتح ملف النقاب باعتباره أحد الأركان التي تم استخدامها في عملية الخطف، وكان ردي أنه على الرغم من قناعتي المحسومة أن النقاب ليس فرضا في الإسلام إلا أنني مؤمن أن الخوض في هذه القضية سيضعف قضية الاختطاف نفسها؛ حيث سيتصدر المئات إن لم يكن الآلاف للدفاع عن النقاب ونشتط بعيدا عن الهدف الرئيسي وهو استثمار حادثة الخطف لشحن الرأي العام حول إقامة تشريع بالإعدام للخاطفين من ناحية، والضغط بقوة الرأي العام لتقنين وضع التوك توك كوسيلة مواصلات أصبحت متهمة بأدلة دامغة، وفوق كل ذلك بكل تأكيد محاولتنا المستمرة والحثيثة بل المستميتة لإنقاذ الطفلين.

لم يمر وقت طويل حتى جاءتنا الأنباء المفجعة التي أكدت العثور على الطفلين غارقين في مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط القريبة من ميت سلسيل، واشرأبت الأعناق في انتظار معرفة ما إذا كان جسدا الطفلين قد تم انتهاكهما وفُرِّغت أعضاؤهما، حسب التصور السائد في المجتمع المصري، أم أن جسديهما لم ينقص منهما أعضاء، وهو ما أكده الطب الشرعي! لتذهب الجريمة في المخيلة الجمعية مذهبا جديدا، وإن لم تفقد ذلك الهاجس الذي يملأ نفوس المصريين من أن وراء الحادثة البشعة من هم فوق القانون، ومن هم لا يمكن الاقتراب منهم نظرا لأهميتهم والذين دائما يوصفون بـ "الكبار"، ذلك الهاجس الذي لابد من علاجه من جذوره، حيث إن تلك القناعة المتغلغلة في النفوس لابد من تفتيتها بكافة الوسائل نظرا لخطورتها الشديدة في المجتمع من ناحية، ونظرا لكونها لا تستطيع بالمداولة أن تقف على قدمين! فالواقع يؤكد بكل برهان أن هذا الهاجس نتيجة لأزمنة فائتة مرة، ولاستثمار أعداء الدولة المصرية له من ناحية ثانية!.

كانت المفاجأة هائلة حينما أشارت بعض التسريبات الى أن قاتل الطفلين الشقيقين محمد وريان هو الأب محمود نظمي، فلم تستطع بعض العقول - ولها الحق كله - أن تصدق أن الوالد الذي قام بتقديم بلاغ في الشرطة عن اختطاف طفليه يكون هو نفسه المجرم القاتل، وبدأت بعض الأدلة تتكشف حينما تم إظهار بعض الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة في بعض أماكن خط السير ما بين ميت سلسيل مرورا بالجمالية دقهلية وصولا إلى كوبري فارسكور الذي تم إلقاء الضحيتين من فوقه في المياه، ولم يمض الكثير من الوقت إلا ونشرت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية فيديو اعتراف محمود نفسه الذي بدا مضطربا، والذي أثار العديد من التساؤلات كان على رأسها عدم شعور المشاهد بندم أب قتل طفليه، بالإضافة لوجود شفرات حلاقة، تبرع القانونيون بالإعلان أن ذلك غير منطقي حيث إنه بمجرد القبض على أي متهم - كما يقولون - يتم تفتيشه وتجريده من كل شيء يحمله، كل ذلك كان مادة دسمة لتحليلات هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نراها طبيعية، وإن ذهبت جل التحليلات في الشك في مقتل الطفلين على يد والدهما، وهذا أيضا نراه طبيعيا.

أما غير الطبيعي هو استغلال تلك الجريمة لتكريس مفهوم حماية وحصانة لعصابات الإجرام أيًا من كانوا ينتمون إليها. لقد رسم البعض تصورا للقضية وأبى أن يُعْمِل عقله أو فضّل أن يلغي تفكيره، لدرجة جعلتني أتصور بعضهم وقد عقد ذراعيه على صدره أو وضع يده على خده في انتظار ذلك التصور الذي يقضي حتما بانتحار محمود لكي يثبت نظريته في أن هناك من هم فوق القانون ومن لا يمكن الاقتراب منهم، وكأني بهم لم يعلموا أن الرئيس الأسبق مبارك تمت محاكمته وأودع السجن تحت حراسة أمنية مشددة، وأن مرسي العياط الرئيس الأسبق هو الآخر في السجن وقد ينفذ فيه حكم الإعدام، وأن الأجهزة الأمنية قد قبضت على رئيس مصلحة الجمارك متلبسا ويخضع الآن لمحاكمة، وأن هناك وزراء قد تم القبض عليهم ومحاكمتهم، فمن هم هؤلاء الذين يمكن أن يصبحوا فوق القانون في دولة حاكمت مثل هؤلاء؟!

هنا يمكننا القول إن قضية محمود يتم استغلالها استغلالا أقرب ما يكون لقضية خالد سعيد والتي قاموا فيها بالتلفيق، كما قاموا بتركيب العديد من الصور لاستثارة الرأي العام، وهو ما يقوم به المناوئون لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذه القضية! فلقد تم تركيب بعض الصور بهدف الذهاب بالقضية في اتجاه محاباة الدولة لمن يصفونهم بـ "الكبار".

لقد كشفت هذه القضية أننا في حاجة إلى إعادة ترسيخ الثقة في شعبنا بأن الجميع أمام القانون سواسية، وأنه لا يمكن أن تكون هناك محاباة لأحد، وأن من يرتكب جرما في حق هذا الوطن لن يفلت من العقاب، كما كشفت عن الحاجة إلى صدور تشريعات حاسمة في قضايا خطف الأطفال وكذلك في قضايا تهريب الآثار التي ألمح البعض لأنها ربما تكون السبب في هذه الجريمة، والتي هي تضر ضررا بالغا بثروات البلاد حيث إن آثار مصر ليست ملكا لجيل من أبنائها دون جيل، ومن هنا يأتي دورنا جميعا في الحفاظ عليها. 

وفي النهاية لقد كشفت هذه القضية عن معدن شعبنا الأصيل الذي هب جميعه هبة رجل واحد وقوفا ضد خطف الأطفال ومساعدة لأهل الطفلين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط