الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشخصية المصرية .. تجديد أم تبديد؟


فى كل الأمم هناك سؤال مستمر حول المستقبل، والمستقبل بطبيعته يقوم على الاحتمالات والسيناريوهات، وبالرغم من أن المستقبل بطبيعته مجهول، إلا أن له بوصلة وهذه البوصلة مرتبطة بالأساس بطبيعة هوية وشخصية الأمة.

والهوية بطبيعتها كاشفة ومفسرة أيضًا لسلوك الأمم فى اللحظات الصعبة والمفصلية والرئيسية، ولهذا فإن الهوية ليست نوعا من أنواع الرفاهية الفكرية وإنما هى حاجة انسانية واجتماعية ويُبني من نتائجها اتجاهات ثقافية وحتى اقتصادية وسياسية.

تبدأ الهوية بقراءة التاريخ، والمثير فى بلدنا أنه صاحب التاريخ الذى لم يستخلص منه ابناؤه التجارب والعبر .. أو لنقل تعلم منه العالم ولم يستطع ابناؤه قراءته حتى الآن بشكل موضوعي ونقدي، والسبب في ذلك هو أن تاريخنا مازال محاصرا بآراء سياسية حاولت لي ذراع التاريخ لمصالح ايديولوجية وفكرية.

ومشكلتنا الأخرى هى أننا حتى الأن لم نستطع وضع تصور وطنى جامع لتاريخ مصر بصورة شاملة، وأنه بالرغم من ترسانة الكليات الادبية والنظرية فى الجامعات المصرية، لم نلمح مشروعا وطنيا مؤثرا استهدف ازالة اللبس والخلط فى فهمنا لتاريخنا، فإذا عدنا للتاريخ سنرى نزاعا وصراعا بين كل حقبة وما قبلها ومفاهيم ملتبسة كرستها فترات الاحتلال .. حتى أنه ما زالت تسيطر فى ذهنية المصريين حتى الان مقولات هيرودوت بأن مصر هبة النيل.. وهو على سبيل المثال ليس أكثر من بصاص يوناني .. والحقيقة أن مصر هبة المصريين، فما اكثر الانهار التى يعيش حولها بشر .. ولكن المصريين وحدهم هم من أبدعوا وشكلوا وأهدوا للعالم فكرة الدولة والقانون وأسسوا فكرة المركزية.

العامل الثاني فى موضوع الهوية، هو كيف نرى انفسنا، أو بالأحرى من أى مرآة نرى حقيقتنا، فقد جرى خلال عقود ما بعد الحرب الباردة– ليس فى مصر وحدها – وانما فى غالبية دول العالم الثالث، أنه تمت صباغة التطور التكنولوجي والتقدم فى وسائل النقل بصبغة سياسية وبمصالح أمريكية، فتم تسييس العولمة وصناعة نموذج سياسي واجتماعي واقتصادي يكون مركزه أمريكا، هذا النموذج بات يفرض نفسه على المجتمعات، وباتت المنظمات الدولية ساعية الى تطبيق هذا النموذج، ومقارنة المجتمعات على اساسه، بل ومحاولة تطبيع النخب السياسية والمجتمعات من ورائها بصبغتها.

على هذا الأساس بدأنا ننظر لمشكلتنا من مرآة هذه المؤسسات العولمية، وجرى أننا اصبحنا ننتقد أنفسنا على صدى تقاريرها، وتكونت لدينا عُقد نقص انسانية وحضارية تجاه نموذج في الواقع لم ينجز شيئا ملموسا حتى الأن على المستوى الاجتماعي، فربما نجح فى تكوين فائض مالي وعسكري، لكنه فى المقابل ضرب بالقانون الدولي وبالمبادئ الانسانية عرض الحائط وغرق فى المادية حتى أصبح يمتلك قوة التدمير والاستيلاء بشكل لا مثيل له، وباتت تلك المنظومة تحتاج لكى تعيش الى مزيد من الضحايا لتعيش على أرواحهم لا اكتافهم وفق نمط استعماري حديث .

ولا نحتاج هنا تفسير طبيعة التبعية الاجتماعية والاقتصادية الناتجه عن النظر لتلك المرآة العولمية، التى تحرص على إعادة بناء الهويات المحلية للأمم وفق أنماط تخدم مصالح المركز الذي يقوم بتسييس العولمة، وعلى كل حال انهارت البنية الاساسية للعولمة السياسية .. وبقت لنا النُخب التى تربت على هذا المشروع وتقاتل بعكس الزمن والتاريخ من أجل بقائها وتوظيفها سياسيًا .

ما علاقة مصر بكل هذا .. الحقيقة أننا نحتاج الى مرآة مصرية لنرى أنفسنا بوضوح وتجرد .. وهذه ليست دعوى على سبيل الشوفينية، بقدر ما هي بداية لمعرفة مشكلاتنا ووضع حلول لها تتناسب مع طبيعة مجتمعنا .

ولا شك أننا ونحن فى مرحلة تأسيس وطني، وأمام فرصة تاريخية، إذ يُعاد تشكيل النظام الدولي بشكل جذري، وبغير مبالغة فنحن أمام تحول ضخم وحقيقي لا يقل عن مناخ التغيرات ما بعد الحربين العالميتين الأول والثانية .. فإننا بحاجة الى مشروع وطني تقوده الدولة والاحزاب والنخب العلمية والاكاديمية، للقيام بجهد فكري لإعادة قراءة التاريخ المصري واستخلاص العبر والتجارب، بالاضافة الى دراسات وافية للمجتمع المصري على المستويين الفكري والاحصائي . ليخرج بموسوعة تاريخية واجتماعية للمجتمع المصري، لا تستثني مرحلة تاريخية أو شريحة اجتماعية من الدراسة والتقييم والتفسير .

إن الجيل الحالي من الشباب المصري تمكن من مواجهة الفوضى بشكل حاسم ولم ينجرف ليكون جزءا من فوضى الشرق الأوسط المصنوعة، وأعتقد أن النموذج المصري يحتاج الي البناء عليه .. لا طمسه ولا استيراد أفكار من الخارج . نستطيع ان نستورد مصانع أو عربات .. لكن لا يمكن ابدًا أن نستورد هوية ..نحتاج الى الاستفادة من تقدم العالم تكنولوجيا لكن ليكون تقدمنا بنكهة مصرية .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط