الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاستسلام الفكري في الخطاب الإعلامي


جانب الصواب كل من يشكك فى نظرية المؤامرة الكبرى المتربصة بمصر ، والتى تعتمد على قصف العقول بالتحرش الفكرى وصولًا إلى مجتمع مفتت داخليًا ، وجانب الصواب كل من يُبسط أمر حرب شديدة التعقيد وآثارها على المدى القريب والبعيد ، وأصاب كل من أدرك طبيعة وظروف المرحلة التى تحتاج إلى ثورة وإغاثة فكرية تتطلب تغيرات جذرية فى الأمثلة النموذجية وتعديلا فى منظومة الأسئلة وانقلابا فى المفاهيم و المعاجم والمصطلحات الوطنية المستخدمة ، أو بالأحرى تحتاج إلى خطاب إعلامى يصل بالمتلقى إلى أقصى درجات الإدراج مستخدمًا الحد الأدنى من الجهد .

وقبل الخوض فى الخطاب الإعلامى المناسب للمرحلة الراهنة علينا أن نتوقف عند الفارق ما بين الخطاب الإعلامى الاجتماعى و الخطاب العلمى ، فالخطاب العلمى يرتبط بسلطة المتكلم المؤسساتية وخضوع المتلقى يرتبط بالضعف النسبى لمعارفه التقنية بالإضافة إلى وضعه المؤسسي كما نلاحظه فى خضوع الطالب لأستاذ الجامعة ، بينما الخطاب الإعلامى سلطة ومكانة وتاريخ المتكلم هى العامل الأساسي فى خضوع المتلقى فكريًا وسياسيًا لأن ميدان الخطاب الإعلامى وبخاصة السياسي ميدان الملاحظة والنقد يكون فى متناول الجميع. 

ولا يربط المتلقى سلطة مؤسساتية بل يربطه احترام لفكره المنبثق من ملاحظاته وخبراته المكتسبة ، لذلك يكون للخطاب الإعلامى حظوظ أوفر كلما كان مريحًا للمعتقدات التى يتمسك بها المتلقى ، ويسير فى نفس الاتجاه الذى تسير فيه المقترحات الصادرة عن سلطات أو جهات أخرى يعتبرها المتلقى شرعية كالمؤسسات الدينية أو البيانات السيادية ، كما أن الخطاب الإعلامى يحتاج إلى العديد من النظريات والفرضيات المرتبطة بنماذج وأمثلة ، والبعد عن التفسيرات التى تثير قضايا تتعارض مع التعاليم المكتسبة من خلال الملاحظة و التجربة التى قد يكون مر بها المتلقى فتصل به إلى فقدان الثقة والبحث عن البديل الذى يجهل نواياه وأهدافه .

وبتعبير أكثر وضوحًا فالمتصدر للخطاب الإعلامى عليه تبنى لغة بعيدة عن المعارضات كلما أمكن للوصول إلى الحد الأدنى من التكلفة و الحد الأدنى من المخاطر وكأنه موظف حديث فى ميدان عمل تسيطر عليه ظواهر السلطة سعيًا إلى اكتساب مهارات تساهم فى تقدمه بعيدًا عن التصادم وفقدان الطاقة ، وعليه أيضًا أن يدرك استحالة نقل المعلومات محررة من التشويش وأن كان طفيفًا ولا يؤثر على المضمون ، كما يُنصح بالبعد قدر الإمكان عن المصطلحات الرنانة كالديمقراطية و إرادة الشعب وغيرها من المصطلحات التى يُخيل للمتحدث أنها تساهم فى وصفه المثقف سياسيًا وذلك لأن استخدامها فى تفسير قضية اجتماعية بعينها تجعل ثقافة المتلقى واستعداده الفكرى تُسقط على المعنى فوارق لا يدركها المتحدث فيطلب على سبيل المثال مناقشة مجتمعية لقضية تدار داخل مؤسسة دستورية قوامها ممارسة ديمقراطية بإرادة شعبية .

ولعل الموضوع الأهم فى الخطاب الإعلامى الذى يناسب طبيعة المرحلة هو البعد كل البعد عن الجدال السابق لأوانه عند تناول بعض القضايا و التى تُشعر المتلقى أن هذا الخطاب الإعلامى يكرس إلى مبدأ الغابة وفرض الرأى ، كتناول قضية استحقاق انتخابى قبل سنوات من موعدها ، فى حين أن التوقيت المناسب فى ظل مناخ لم تتضح معالمه قد يساهم فى تحقيق الهدف بسهولة ويسر.

عليه.. فعلى كل مالك لوسيلة إعلام صغرت أو كبرت أن يراعى البعد القومى فى تناول موضوعاته وأن يدرك عظم المسئولية الملقاة على عاتقه لتحيا مصر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط