الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خبراء يحذرون من حدوث أزمة اقتصادية بعد ارتفاع أسعار العقارات.. ومخاوف من موجات تضخمية مرتقبة

صدى البلد

  • دراسة تحذر من تكرار سيناريو الصين في سوق العقارات المصرية
  • صبور: أسعار الأراضي ومواد البناء وراء ارتفاع أسعار العقارات في مصر
  • مي عبدالحميد: 200 ألف عميل استفادوا بـ 17 مليار جنيه تمويلاً عقارياً

عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية أمس الثلاثاء ندوة بعنوان: "هل تدخل مصر في فقاعة عقارية تهدد الاقتصاد؟"، ناقش خلالها وضع السوق العقارية، وهل هناك ما يدعو إلى القلق بهذا القطاع، وذلك بحضور مجموعة كبيرة من المعنيين سواء مطورين عقاريين أو القطاع البنكي، والحكومي.

وعرض المركز دراسة حذرت من حدوث مشكلة في السوق العقارية نتيجة تغير الزيادة الضخمة في المعروض من الوحدات وتراجع القدرة الشرائية وتباطؤ البيع في السوق الثانوية، حيث تقتصر عمليات البيع على السوق الأولية، بالإضافة إلى عدم استعلام الشركة أو المطور العقاري عن قدرة المشتري على السداد.

وأوضحت الدراسة مفهوم الفقاعة بأنه ارتفاع أسعار العقارات بأكبر من قيمتها الحقيقية في السوق بشكل مستمر، وتعثر المتعاملين مما يؤدي إلى انكماش حاد وصولا لمرحلة السقوط أو الانهيار، وهو ما يؤثر سلبا على القطاع والاقتصاد ككل، ولكن ما يحمى مصر حتى الآن من الانفجار الذي شهدته تجارب دولية مثل أمريكا واليابان وأسبانيا، أن النظام المالي في مصر يعتمد على النقد وليس على الائتمان، ولا يوجد سوق للأسهم العقارية، ولكن الأزمة التي حدثت في الصين كانت في وضع شبيه بالسوق المصري، وهو ما حذرت الدراسة من تكراره.

وقالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، خلال الندوة، إن مظاهر الأزمة تتمثل في محاولات المطورين العقاريين تسهيل إجراءات البيع بشكل مبالغ فيه، وهناك حرص واضح من البنوك على التعامل مع إقراض القطاع العقاري، واتجهت الشركات لتقليل حجم ومساحات الوحدات السكنية لتسهيل عمليات البيع.

وحذّرت الدراسة من دخول القطاع العقاري في مصر في أزمة مشابهة لما حدث في الصين، اعتبارا من عام 2008 عندما تصورت الحكومة الصينية أن أفضل الطرق لزيادة الطلب المحلى وخلق الوظائف هو إعادة إحياء سوق الإسكان الحضري وضخت الدولة 4 تريليونات يوان بعد الأزمة، مما زاد من المعروض النقدي في السوق الصيني وارتفعت أسعار العقارات بصورة كبيرة، ونتيجة ضعف جاذبية الصادرات توجه المستثمرون بعيدا عن الصناعة، ونظرا لزيادة الطلب اعتقد العاملون في الاقتصاد أن كل ما يبنى في القطاع العقاري سيتم بيعه.

ونتيجة لهذه التوجهات ارتفعت الأسعار بشكل كبير نتيجة للزيادة غير المنطقية في بناء المنازل والتي تخطت معدل الزيادة في الطلب سواء بالنسبة للعقارات السكنية أو الإدارية، وهو ما خلق ما يسمى بـ"مدن الأشباح"، حيث لا تزيد نسبة الإشغال في أكبر مركز تجاري في العالم وهو New South China Mall على 2% فقط، وتحتاج مدينة "تيانجن" الصينية إلى 25 عاما من التنمية حتى يتم استخدام الأماكن الشاغرة فيها.

وانتقدت الدراسة دخول الحكومة كلاعب رئيسي في القطاع، مع اتجاه الدولة لعمل وبيع وحدات جاهزة، مشيرة إلى أن تجربة الدولة في المدن الجديدة سابقة غير مشجعة حيث مازالت نسب الإشغال في هذه المدن أقل من المستهدف.

وأوضحت الدراسة أن هناك نحو 25%من العقارات المبنية في مصر شاغرة، وأرجعت بداية مشكلة القطاع العقاري في مصر إلى عام 2004 عندما أدى مزاد طرحته هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى ارتفاع كبير في أسعار الأراضي، كما تضخمت أسعار الأراضي التي طرحتها الهيئة في القاهرة الجديدة والسادس من أكتوبر بمزاد عام 2007 بنحو 130%.

وأشارت الدراسة إلى أن الضريبة العقارية سيكون لها تأثير إيجابي على المدى الطويل في الحد من وجود عقارات مغلقة بهدف التربح، ولكن لها في المدى القصير أثرا سلبيا؛ حيث سيزداد المعروض من الوحدات للبيع في السوق الثانوي المتعثر أصلا.

وتخوفت الدراسة من ارتفاع نسبة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي إلى 16.2%، وهي نسبة اعتبرتها الدراسة كبيرة، مشيرة إلى أن معدل نمو قطاعي التشييد والبناء والأنشطة العقارية ارتفع بنسب بلغت 225%، و952%على التوالي خلال الفترة من العام المالي 2010-2011، وحتى 2016-2017، موضحة أن الاعتماد على القطاع العقاري في نمو النشاط الاقتصادي في مصر أمر يدعو للقلق إذا ما حدثت أزمة في هذا القطاع لأنه يؤثر بالسلب على كل الأنشطة المتعلقة به.

من جانبه لا يرى هشام شكري، رئيس مجلس إدارة مجموعة رؤية القابضة للاستثمار العقاري، أن السوق تتعرض لفقاعة أو بالونة عقارية، ولكن ما يحدث هو مجرد حالة تباطؤ تكررت عدة مرات خلال الثلاثين عاما الماضية، وفى كل مرة يعود السوق بعدها للانتعاش من جديد ويصحح نفسه، وأن الأسعار لم تنخفض مع تغير الظروف الاقتصادي التي واجهتها مصر حتى بعد الثورة.

وعقبت الدكتورة عبلة عبد اللطيف على حديثه قائلة إن صحة القطاع العقاري لا تتمثل في عدم انخفاض أسعاره بالرغم من الأزمات، ولكن في قدرته على تحقيق المستهدف بتلبية احتياجات المواطنين من السكن بأسعار مناسبة، فالهدف ليس ربحية الشركات ولكن تنمية المجتمع ككل.

وأكد "شكري" أن القطاع سيصحح نفسه بنفسه، وهناك احتياج حقيقي لبناء المزيد من الوحدات الإدارية والتجارية والصحية في ظل توجه العديد من صناديق الاستثمار لضخ أموال في هذا القطاع بمصر، موضحا أن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إضافة 470 ألف سرير للقطاع الصحي خلال 5 سنوات، منها 410 آلاف في القاهرة وحدها، وسيدفع هذا الاحتياج الشركات العقارية إلى تعديل وجهتها.

واعتبر شكري التوجه نحو تصدير العقار أحد حلول مشكلة التباطؤ الذي يعاني منه القطاع، حيث يصل حجم هذا السوق في العالم 300 مليار دولار سنويا، نصيب مصر منها حتى الآن هو صفر، وهو ما يحتاج تشجيعا ومشاركة من الدولة، مطالبا بخفض أسعار الأراضي لأنها تمثل حاليا 40 – 50% من مكونات العقار.

من جانبها حذرت مي عبد الحميد، رئيس مجلس إدارة صندوق التمويل العقاري، من خطورة عدم تأكد الشركات من قدرة العميل على السداد، مؤيدة توجه الشركات نحو بناء وحدات أقل مساحة لتشجيع السوق، لافتة إلى عدم وجود بيانات واضحة عن حجم الطلب الحقيقي على العقارات في مصر، وأشارت إلى أن وزارة الإسكان بدأت من خمس سنوات في تنفيذ برنامج للإسكان الاجتماعي؛ حيث يتم عرض الوحدات وبنائها بناء على الطلب، ولكن يُشترط السكن بشكل دائم خلال فترة سبع سنوات لضمان تحقيق نسب الإشغال المستهدفة.

وقالت مي إن حجم التمويل العقاري وصل إلى 17 مليار جنيه، حصل عليها 200 ألف عميل بالصندوق، ولكن هناك تحديات حالية تتعلق بارتفاع أسعار الفائدة، ولكن من المأمول أن تنخفض خلال الفترة المقبلة مع تراجع معدلات التضخم، مطالبة بضرورة تحمل وزارة المالية أو جهة أخرى جزء من دعم فائدة التمويل العقاري.

وأضافت عبد الحميد أن هناك حاجة لصدور قانون لتنظيم نشاط التطوير العقاري؛ حيث تمت مناقشة هذا القانون مع مجلس النواب العام الماضي ولكنه تأجل، بالإضافة لضرورة حل مشكلة السجل العيني.

وأعلنت رئيس صندوق التمويل العقاري عن دراسة تفصيلية، يسعى الصندوق لإجرائها بالتعاون مع كل من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك الدولي، للطلب الحقيقي على العقارات في مصر، متوقعة ظهور نتيجتها خلال عام.

وأكد محمد الباروني، رئيس قطاع الائتمان بالبنك التجاري الدوليCIB، أن القطاع العقاري هام بالنسبة للبنوك وهناك ضوابط واضحة للتعامل معه أقرها البنك المركزي منذ عام 2007، ويقوم القطاع البنكي بدوره في التمويل والرقابة على المطورين في نفس الوقت لضمان نجاح المشروع وحقوق المشترين.

واستبعد الباروني تعرض القطاع لأزمات نتيجة انخفاض مستويات الاقتراض وتدنى معدلات عدم السداد في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكدا على أهمية دراسة القطاع لتحليل العرض والطلب الحقيقي منعا لحدوث مشكلات مستقبلية.

وقال أشرف دويدار، العضو المنتدب لشركة أرضك للتنمية والاستثمار العقاري، إن عدم الاتفاق حول قانون المطور العقاري في المناقشات السابقة يرجع لاختلاف وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، نافيا وجود فقاعة في القطاع ككل ولكن قد توجد الفقاعة في قطاع بعينه، إلا أنه لا توجد بيانات واضحة يمكن من خلالها قياس حجم المشكلة، وانتقد دخول الدولة كمطور عقاري.

وتابع دويدار أن هدف الدولة من الاستثمار العقاري غير واضح، كما أن أدوار العاملين بالمنظومة غير واضح أو محدد وهذا هو السبب الرئيسي للأزمة، مدللا على قوله بوجود محاولات سابقة للاتفاق على تنظيم الصناديق العقارية باءت جميعها بالفشل لأن كل طرف من الأطراف ينظر لمصلحته الخاصة، داعيا لتوفير المعلومات عن القطاع العقاري ووضع إطار تشريعي لعمل المطورين.

وشرف الندوة بالحضور المهندس حسين صبور الرئيس الشرفي لجمعية رجال الأعمال المصريين والمطور العقارى البارز، وقال إنه بالرغم من الأسعار المبالغ فيها للعقارات إلا أن المطورين لا يحققون هوامش ربح غير تقليدية لأن سعر الأرض يمثل أكثر من 40% من إجمالي التكلفة، بخلاف ارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة تعويم الجنيه.

وقال "صبور" إن من سيتعرض للتعثر هم المطورون غير الجادين، ولكنه يتفق مع كل ما قيل بأن التغير الديناميكي في السوق يحتاج لمراجعة سياسات الدولة والمستهدفات من القطاع العقاري ومساهمته في التنمية.

وانتهت الدراسة إلى توصيات محددة أولها تعاون المركز مع جهود صندوق التمويل العقارى في الدراسة الخاصة بتقدير حجم الطلب ونوعه لتوجيه سياسات الإسكان المستقبلية نحو تلبية هذا الطلب، كما أوصت بأهمية حل مشكلة إدارة منظومة أراضي الدولة والاستعانة بالدراسة التفصيلية التي قام بها المركز في هذا الشأن.

كما دعت إلى إنشاء مجلس تنسيقي أو لجنة تضم العاملين في القطاع العقاري سواء كان سكنيا أو صناعيا أو إداريا، مع أجهزة الدولة وقطاع البنوك لتقسيم الأدوار بشكل واضح، بالإضافة إلى دراسة مقترح إنشاء صندوق لخفض الفائدة على التمويل العقاري يساهم فيه المطورون، وقيام الدولة بدورها في وضع الحوافز التي توجه جميع العاملين في القطاع لما يحتاجه المجتمع في هذه المرحلة.

وأكدت على أهمية فتح ملف قانون المطورين العقاريين بمجلس النواب مرة أخرى لتنظيم أعمال القطاع بما فيه دور جمعيات الإسكان المرتبطة بالنقابات وغيرها، وضرورة استكمال وتفعيل منظومة السجل العيني وتحديثها تكنولوجيا باستخدام تقنية "البلوكتشين"، باعتباره ضرورة لتصدير العقار وللقطاع بشكل عام.

وخلصت الجلسة إلى أننا لسنا في فقاعة حاليا ولكن هناك حاجة ملحة لمراجعة التطورات في ديناميكية القطاع حتى لا ندخل في واحدة تؤثر على الاقتصاد ككل، كما أنه يجب تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والتي تزيد بأسلوب دعاية المطورين الكبار، وتعطى انطباعا غير واقعى عن السوق العقاري في مصر، والتركيز على التوسع في الإسكان الاجتماعي ليس فقط من قبل الحكومة ولكن من خلال القطاع الخاص أيضا بتقديم الحوافز المناسبة وهو دور الدولة التنظيمي المطلوب.