الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من القاتل؟


صدمني خبر سرقة أب في مدينة دمياط زيا مدرسيا لابنته وتحفظ الشرطة عليه، من قتل هذا الرجل؟ من قتل عزة نفسه ونزاهة يده حتى يضطر إلى سرقة زي مدرسي، أين الجميع؟ هل تخلى عنه إخوته وأهله حتى يُعِرض نفسه للمهانة ؟ أم أنه ينتمي إلى عائلة بائسة تعافر في الحياة لتحيا؟ السرقة لم تكن لأموال أو لأجهزة حتى نستطيع اتهامه بأنه لص، إنه زي مدرسي لفتاة، قد يكون ثمنه ليس بالكثير.

من المستحيل أن تكون الفتاة في تعليم خاص ويكون الأب من القادرين على سداد المصروفات، ويسرق زيا لابنته، إلا إذا كان مريضا بداء السرقة، المشهد يشير إلى ضيق ذات اليد ، الأمر مريب إما أن يكون في شدة الحاجة للمال وإما أن يكون لم يعد يُفِرق بين الحلال والحرام من شدة اليأس، من يستطيع الحكم عليه هم الأقربون، من يعرفه حق المعرفة يستطيع أن يرشدنا إلى الحالة النفسية التي صاحبت هذا العمل المشين.

الفقر واليأس كلاهما مصدر للكفر، مصدر لقتل النفس، تُصْبِح معه حيا ميتا، لا تستطيع أن تُفَرِق بين الحلال والحرام، العوامل متراكبة وشديدة التشعب وتحتاج لتفسير، من الصعب أن نتقبل أن يُسْجَن هذا الرجل على سرقة زي مدرسي لابنته إذا لم يكن له سجل إجرامي سابق، خصوصا أنه لم يسرق للتجارة إنما لقضاء حاجة لابنته وهي في احتياج لها وليست رفاهية تقتنيها للتباهي بين الناس بحصولها عليها.

زي المدرسة أمر أساسي يحتاجه كل طالب وطالبة، صُنِعَ خصيصا لجعل جميع الطلبة سواسية في المظهر فلا تعرف الفقير منهم من الغني، الجميع يرتدي نفس الزِّي، الجميع يُعامَل نفس المعاملة، إذا فرضنا جدلًا أن الأب لا يملك من المال ما يستطيع به شراء زي لابنته، أين وزارة التعليم من هؤلاء، لماذا لا تتم دراسة الحالة الاجتماعية والاقتصادية لغير القادرين على شراء مستلزمات الدراسة وتتم مساندتهم حتى لا يتعرض أحد لهذا الموقف المؤلم، ويقف مهزوما أمام ابنته؟

أين المجتمع المدني، لماذا لم ينتبه لمثل تلك المواقف ويساهم بجدية في مساندة غير القادرين، لابد من التنبه حتى لا يزداد الخلل الواقع في المجتمع المصري، الموضوع في منتهى الخطورة نحتاج إلى توعية الشعب بضرورة التكافل الاجتماعي، نحتاج إلى الإفصاح دون خجل عن احتياجنا لبعضنا البعض، نحتاج لمزيد من التوعية الدينية والإرشاد النفسي.

في إحدى القصص الفرنسية الشهيرة "البؤساء"، اتُهِمَ البطل بالسرقة لأنه سرق رغيفا من الخبز لاحتياجه للطعام وتحول من إنسان فقير سَوِيّ إلى مجرم يطارده القانون، واضطر للتخفي والحياة حياة مستعارة ليهرب من جريمة لا تُعْتَبر في عرف الإنسانية جريمة بل اضطرار نظير الاحتياج.

يرحم الله عز وجل من يفعل المنكر وهو مضطر أو يفعله عن قلة حيلة عندما تُغلَق أمامه السبل السليمة الشرعية، فأين الرحمة في قلوب خلقه، نحتاج للتفسير والإيضاح حتى لا يُظْلَم ذلك الأب، ربما تكون الدنيا قد أظلمت في عينيه حتى يسرق ليوفر لابنته زي مدرسي حتى تتعلم، تتعلم الحلال والحرام، تتعلم الانتماء إلى المجتمع، تتعلم التعايش السلمي مع الناس.

من يتخيل أن رغبة أب وإصراره لتعليم ابنته تتخفي وراء فعل مشين قد تخجل الفتاة طوال حياتها عندما تعلم أنها تعلمت وارتدت زيا مسروقا، ويظل الأب مهزوما طوال العمر أمام الجميع، زوجته وأولاده وأهله وسكّان المدينة بالكامل، خصوصا أنها من المدن الصغيرة وكل فعل فيها خير أو شر ينتشر خبره بين الجميع ويظل يطارد صاحبه.

نرجو من المسئولين إيضاح ملابسات هذا الموقف الذي تتوقف عليه سمعة هذا الرجل، وهل لديه تاريخ إجرامي أم أن الفقر والبؤس حوَّل هذا الرجل من رجل فاضل إلى لص من أجل زي مدرسي، وإذا ثَبت أن هذا الرجل قد قام بفعلته نتيجة الاحتياج وليس بالمجرم المحترف، نرجو من القلوب الرحيمة مساعدة هذا الرجل، رحمة به وبأسرته وحفاظًا على سمعته، حتى لا يتحول إلى لص تطارده فعلته مدى الحياة، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط