الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: أَحْلمُ بكِ؟!

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

عندما ستراني ستمد إليِّ يدك.. ستمدها وأنت تبتسم تلك الابتسامة التي تُبدد كل كدر في نفسي، كما تُبدد الشمس الغيم، فأصير صافية مشرقة كالسماء.. أليس كذلك؟!

علقت الكلمات بحلقي، واختنقت عيني بالدموع.

فقالت، وقد سيطر الغضب والانفعال عليها:
- أجبني ولا تتركني هكذا!

وانفجرت عيناها بدمع منهمر، وأخذت تنتحب وهي ترتعش وكأنها محمومة، واضعة وجهها بين كفيها.

انتفضت مفزعا، وصدى صوتها يتردد في أذني من وراء الأيام، وأفكار شتى تموج في رأسي، وتضغط على أنفاسي الحارة اللاهثة التي تصدر عن ألة معذبة تدور داخلي، فأردت استنشاق بعض الهواء، فتسللت بعيدا عنها نحو الشرفة، وأنا أعتصر عيني التي لاتزال مختنقة بالدموع، فإذا بها كما هي جامدة كحجري رحى.

دلفت إلى الشرفة وأطفأت المصباح فانكسرت الرؤية أمام عيني، وبالكاد استطعت الاتكاء بمرفقي على سور الشرفة، فلا نجوم ولا قمر، بل ظلام يلف الأفق، ويثير الشكوك والظنون تجاه حياتي كلها، التي يحرقها الشوق لحظة يشتعل فتصير رمادا تذروه الذكرى في الأيام، فتنتابني مشاعر متناقضة مستهزئة مليئة بالحنو والأسى على نفسي، فحلم الماضي الذي قفز فجأة من قاع النسيان أصبح كابوس الحاضر، فمنذ أول ليلة رأيتها في الخيال حدث شيء غريب، فقد عادت سنون كانت غارقة في النسيان تُبعث بحيوية ونشاط في مخيلتي من جديد، والأغرب أن الذي نجا من الغرق في البداية كان مشهد النهاية الذي أحلم به ليل نهار، ومنه توالدت كل أحداث الماضي التي تتوالى بشكل متواتر، متدفقة من الماضي نحو الحاضر، مشيدة حاجزا زجاجيا صلبا بينهما، يبدو للرائي لا شيء، فإذا أردت المرور لأعرف أين أنا اصطدمت به.

فما إن رفعت مرفقي من على سور الشرفة ونظرت نحو السماء، حتى رأيتها في ضوء الفجر الذي ينسل بين خيوط الليل المظلم ترفع وجهها من بين كفيها، وتلقي بنفسها بين ذراعي، فتزداد أعين المارة التي تراقبنا منذ بدأ صراخها ونحيبها التصاقا بنا، حتى أخذ بعضهم يصور المشهد بهاتفه المحمول، وأنا أنظر إليهم من طرف خفي، مخبئا وجهها في صدري، محاولا قول أي شيء ولكن صوتي لا يغادر حنجرتي، فخطفتها من أعينهم ودخلت مسرعا إلى محطة المترو، وأنا أكفكف دموعها بنظراتي الحانية، ولكنها فجأة فرت من بين يدي لتلقي بنفسها أسفل عجلات المترو، صرختُ ولكني لم أجد إلا حشرجة تدمي حلقي، وأسناني تصطك، وشفتاي ترتجفان، وروحي ترتعش في جسدي المتشنج، وصرخات تدوي في أذني، وأنا أقف على باب الشرفة محدقا في ظلي المسجي أمامي على أرضية غرفة النوم التي أغرقها ضوء الصباح، فأيقظ زوجتي التي فتحت عينيها الممتلئتين بالنعاس ورفعت كفها لتحجب عنهما الضوء حتى تراني، وقالت:
- صباح الخير

لم أستطع الرد، فالكلمات عالقة بحلقي كطين لزج لا أستطيع ابتلاعه، ولا أستطيع بصقه.