الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الانتماء يتجاوز المنطق: صلاح أحسن لاعب


الانتماء هو أعلى درجات وصور الحب والعشق والوله، ولذلك فالانتماء يتجاوز المنطق، وإن أعلى درجات الانتماء هو الانتماء للأوطان، ذلك الذي يجعل المنتمي يمنح لوطنه من قلبه قبل عقله، ويأتي بأفعال لا يحده فيها حدود ولا تخضع لضوابط المنطق فحسب، بل تسبقه في الكثير من الأحايين.

والانتماء ليس مقصورا على شعب دون غيره، ولا جماعة إنسانية دون سواها، بل هو فطرة إنسانية، تلك التي يستغلها الطامعون من القادة لتحقيق أطماعهم التوسعية، فيسوقون من خلالها شعوبهم ودولهم للاعتداء على شعوب أخرى وأراض لا تخصهم، وهو - أي الانتماء - الذي تعتمد عليه القادة التي يتم الاعتداء على شعوبها ويتم العدوان على أراضيها لصد هذا العدوان ودحر المعتدين.

والانتماء، كما يكون للأوطان بصورة مباشرة، يكون لكل ما من شأنه أن يعلي قيمة هذا الوطن، ويتحقق لكل من يرفع من شأن هذا الوطن، فلم يقرأ الغالبية العظمى من أبناء شعبنا أعمال نجيب محفوظ، بل هناك عشرات الملايين من أبناء الشعب المصري لم ينظروا في رواية واحدة، ولا مجموعة قصصية واحدة، بل ولا قصة قصيرة واحدة لأديبنا الخالد نجيب محفوظ، وهناك أكثر من مئتي مليون عربي لم يقرأوا لمحفوظ كلمة واحدة، ومع ذلك وضعه الشعب المصري والعربي في مكانة رفيعة لأنهم علموا يقينا أنه رفع اسم مصر في مجال ما " هو مجال الأدب العالمي"، واحتفت به الشعوب العربية، لأنهم رأوا فيه نصرا لهم، وأصبح هناك انتماء للأديب العالمي هو امتداد للانتماء للوطن والجنس.

وكما حدث مع أديبنا الفذ، حدث مع عالمنا الكبير الدكتور أحمد زويل، فجميع أبناء الشعب المصري والعربي، إلا قليل القليل بالطبع، لا يعرف الفيمتو ثانية التي حصل بسببها العالم الكبير على جائزة نوبل، ولكن الجميع تعلق بالرجل، وعشقه امتدادا لعشق الوطن، نفس الانتماء الذي سكن القلوب لجراح مصر الكبير الدكتور مجدي يعقوب الذي يلقبه المصريون بالقديس لعطائه اللامحدود لمصر، نفس الانتماء الذي يزداد يوما بعد يوم للاعبنا الفذ محمد صلاح الذي تُوِّج أمس الاثنين بجائزة بوشكاش لصاحب أجمل هدف في العام، والذي يمنحه الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، ليسعد جماهير الكرة المصرية والعربية، وكل محبي النجم المصري الكبير في العالم. 

لقد استطاع لاعبنا الكبير محمد صلاح أن يصل إلى المرحلة النهائية لجائزة أفضل لاعب في العالم والذي وصل فيها مع كل من اللاعب الفذ البرتغالي كريستيانو رونالدو ولاعب كرواتيا الكبير لوكا مودريتش، ووصول محمد صلاح لهذه المرحلة يعد حدثا مصريا وعربيا، حيث لم يستطع لاعب مصري قبله بلوغ هذه المرحلة، ولم يكن هناك لاعب عربي، وصل إلى القائمة الثلاثية، فقط لاعب الجزائر الشقيق محرز قد شغل المركز السابع في قائمة العشرة لاعبين المرشحين.

لم نكن ممن توقعوا – بالمنطق - أن يفوز لاعبنا محمد صلاح بالجائزة، حيث إن المنافسيْن حققا لفريقيهما ولمنتخبيهما أكثر مما حقق صلاح، الذي عاقته الإصابة التي تسبب له فيها راموس الإسباني لاعب ريال مدريد.

لم تمثل لنا النتيجة مفاجأة ولا صدمة، تلك التي حدثت بعدما أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا تفاصيل الترشيحات التي كشفت عن خلل في أولويات الانتماء، ذلك الذي حدث هو عينه في اختيار الملف الفائز بتنظيم كأس العالم 2026 والذي تنافس فيه كل من ملف المغرب الشقيق مع الملف الثلاثي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا والذي كنا نعلم – بحكم المنطق - يقينا أنه الفائز، حينما منحت سبع دول عربية صوتها للملف الثلاثي، الذي لم يكن في حاجة إلى هذه الأصوات حيث إنه فاز بفارق كبير من الأصوات.

خلل الأولويات في الانتماء جعل قادة المنتخبات العربية لا تمنح صوتها للاعب محمد صلاح، فلم يفعل ذلك سوى قادة منتخبات سوريا وفلسطين وموريتانيا، وربما اعترضنا أحدهم قائلا، إن منح الصوت يكون عن قناعة الشخص المنطقية، ذلك الذي نحن نعنيه تماما بقولنا إن الانتماء يتجاوز المنطق، فهل لم تكن تعلم الدول العربية التي منحت صوتها للمغرب الشقيق أن فرصة فوز ملفها في تنظيم كأس العالم في مواجهة ملف ثلاث دول كبرى معدومة أو تكاد، ومع ذلك جاوزت المنطق للانتماء.

إننا بدعوتنا لإعلاء قيمة الانتماء لا نطالب بإيقاع ظلم على أحد، بقدر ما نهدف إلى ضبط الأولويات لدينا، في ذات الوقت الذي نؤكد أن هناك من اللاعبين ومن المدربين ومن النقاد ومن الجماهير لا يرون أن واحدا من الثلاثة المرشحين – صلاح / كريستيانو رونالدو/ مودريتش – الذين وصلوا للتصفيات النهائية يستحق لقب لاعب، ما يعني أن الأمر يخضع للأهواء، وليس مبنيا حتى على المنطق الذي أسلفنا أن الانتماء يتجاوزه.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط