الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شموع عالمية!


الموهبة .. الوعى .. السُمعة .. ٣ عناصر لتكوين المادة الخام لأى مبدع أصيل، ومع تراكم التجارب الفنية والإنتاج الثقافى تتبلور قيمة هذا المبدع ويحفر اسمه بكلمات من ذهب فى أذهان جمهوره من كل الأطياف .. وأطفأنا منذ أيام شمعة أحد رموز الأداء الأنيق على الشاشة وهو يتمسك بروح التشخيص حتى وهو أسير المرض والشيخوخة على مقعده المتحرك، ليُبرز روح العطاء بداخله الممتلئة بالشباب والحيوية .. فارقنا جميل راتب .. ذلك الفنان الأرستقراطى - تمثيلا وسلوكا - الذى أدار موهبته باقتدار عندما حصّنها باختيار دقيق لأدواره داخل سيناريوهات سينمائية قوية الحبكة وثرية المضمون، وأمام شاشة الدراما التليفزيونية فى أعمال شديدة الخصوبة والنضج .. وعلى مدار شريط الذكريات تفوق "الجميل" فى التنوع بين الشخصيات الراقية الممتزجة بالعظمة والشموخ وبريق السلطة، وبين النوعية الشاذة المصابة بالتشوه الداخلى والنزعة الإجرامية، وبرع الفنان الواعى لأدواته فى صبغ أى شخصية مرسومة له بتفاصيله الصادقة وقراءته المختلفة لمتطلباتها وأبعادها النفسية والاجتماعية .. شاهدناه سفيرا مدافعا عن الذوق الرفيع والأصالة، وصدقناه كرجل أعمال فاسد ذى أساليب ملتوية، واحترمناه كأب قدوة تارة، ومجرد من المشاعر والعاطفة تارة أخرى .. وانتزع الضحكات فى استمتاع بتعبيراته ونظراته وهو يجسد أكثر أدواره اشمئزازا وكراهية فى تابلوه فنى مُدهش .. وتكتمل الصورة فى العيون بسيرته الإنسانية المشرفة دون شائعة واحدة حول أخلاقياته أو حياته الخاصة، والتى اتسمت طوال مشواره الممتد حتى فوق التسعين بشِيم "النبلاء" وتصرفات "الجنتلمان" مع الأصدقاء والأجيال، لتسود رائحة "السُمعة الطيبة" كل بلاتوه أو استوديو أو خشبة مسرح موجود بها جميل راتب .. ثم تُتوَج المسيرة بـ "وصية كريمة" تضع ١٨ مليون جنيه حصيلة ثروته من عرق أعماله الرائعة بين أيدى الأطفال المرضى لعلها تفتح بابًا من الشفاء لأبناء وأحفاد ليسوا من دمه أو لحمه .. وتكريما لفنان ثمين كهذا، يليق بنا أن يُخصَص جناح باسمه فى أكاديميات المعاهد لتعليم فن الأداء "السهل الممتنع"، ونرى جائزة تحمل صورته فى كُبرى المهرجانات تُمنح للمتميزين أُسوة به .. والمجال مفتوح لاقتراحات مفيدة وعملية تُخلِّد مثل هذه النماذج المضيئة أكثر من مجرد دقيقة حداد أو دموع تسيل وراء جنازة متواضعة!.
- وشمعة أخرى أطفأتها دنيا الفكر وتنوير العقول برحيل أستاذ الاقتصاد وعلم الاجتماع الدكتور جلال أمين الذى كثيرا ما أثرى معرفتنا بتحليلاته العميقة وآرائه النقدية لواقعنا الاجتماعى فى سلسلة من الكتب والمراجع البحثية المتبحرة فى المجتمع المصرى فى مقدمتها كتابه الرائع "ماذا حدث للمصريين؟"، وساهمت مقالاته بجريدة الشروق فى رسم خارطة طريق لعلاج الكثير من أزماتنا الاقتصادية فضلا عن تشريحه العلمى الدقيق لظواهر اجتاحت حياتنا وشكلت سلوكنا العام ودق ناقوس الخطر لطلابه وقرائه للاستيقاظ والثورة على مفاهيم خاطئة، لنجده دائما شمعة تحترق من أجل الآخرين ليعرفوا ويتعلموا ويسيروا نحو طريق النهضة والتقدم والحلم المنشود .. ومنتهى التقصير أن نكتفى بالبكاء لفراق أحد عمالقة الثقافة ولانجدد طباعة مؤلفاته أو نوفرها كمقررات دراسية لمن يهوى العلوم الإنسانية وفلسفة الاقتصاد من تلاميذه الصاعدين!.
- إن ساحتنا زاخرة بالشموع التى تسمو إلي مرتبة العالمية، وهذه الصفة أعلى وسام على الصدر لايرتبط بجنسية المبدع بقدر ما هو مرهون بعُمق تجربته ودرجة تأثيره فى مجتمعه ومحيطه ..وشموعنا كثيرة وعامرة، وفى كل مجال وملعب .. والأصالة تفرض تقدير من فقدناهم .. أما الكرامة فتقتضى منا جميعا أن نضئ شموعا أخرى تُكمل الرسالة، وتملأ حياتنا كلها نورًا وعلمًا وإبداعًا .. ولامكان أبدا للأقزام و"الأسطورة" الزائفة!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط