الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غيبوبة أردوغان: الغائب رغم حضوره


إن الحياة في تغير وصيرورة دائمة وأن المرء لا يمكن أن ينزل النهر مرتين هكذا قال الفيلسوف اليوناني القديم هرقليطس الذي لُقِّب بالفيلسوف الباكي والذي تأثر بأفكاره كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو، ومن المقولات ذات الدلالة العميقة لهذا الفيلسوف قوله: الحمقى حين يسمعون يكونون مثل الصٌمّ، ولذلك يصفهم المثل "هم الغائبون رغم حضورهم!". 

إن على المرء أن يكون مدركا للواقع الذي يعيش فيه، ويجب أن يكون أكثر الناس إدراكا لذلك الواقع هم قادة الدول، حيث أن عليهم يتجنبوا كل ما يمكن أن يُحْدِث أزمة لبلدانهم، كما أن عليهم أن يستفيدوا بكافة المعطيات لتحقيق مصالح دولهم.


أما أن يظل إنسان فضلا عن كونه قائد حبيس فكرة أثبتت الأيام فسادها، وأن يظل مصرا على مشروع برهن الواقع على فشله، وأن يدور في فلك أمنيات أكدت الأحداث استحالة تحقيقها، فهذا عين التيه الذي يذهب ببلد هذا القائد في أتون الأزمات، وكبير المعضلات، وكثير المشكلات، وهو ما يتحقق في أكمل صورة في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لم يستطع أن يدرك التغيرات التي حدثت في المنطقة بفعل الثورة المصرية في الثلاثين من يونيه، والتي غيّرت الوجه الذي كان مرسوما للمنطقة.

كنا من أوائل من رفض الخطاب الحنجوري لأردوغان، كما كنا من أوائل من اكتشف شخصيته البهلوانية فرفضنا المشهد التمثيلي له في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في العام ٢٠٠٩ حينما انسحب إثر مشادة كلامية حادة ونادرة الحدوث مع الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، وأكدنا ساعتها أن ما أتعسه من مشهد تمثيلي رخيص وفاشل، لأن واقع العلاقات بين بلاده والعدو الصهيوني كانت آنذاك في أوجها واستمرت كذلك.

مازال أردوغان يسير في غيه القديم، مقدما صورة لا تتفق مع الواقع في كل ما يذكره، ومازال متخيلا في خطابه جمهورا لا يعيش الواقع، ولا يدرك الأحداث، رافضا أن يفتح عينيه وأن يُعْمِل عقله ليدرك المتغيرات التي أحدثتها ثورة الثلاثين من يونيه، فيرى ما وصلت له مصر من علاقات متميزة مع الدول الفاعلة في العالم، وينظر ما حققته مصر في محيطها العربي والإفريقي والمتوسطي، ويشاهد تغير المعادلات الدولية التي تشارك مصر في أطرافها، ويعلم أن مشروعهم قد تبدد، وأن أحلامهم أصبحت سرابا.

لقد كان انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك منذ بضعة أيام، وتوافد رؤساء الدول أو من ينوب عنهم على الولايات المتحدة الأمريكية فرصة ثمينة للرئيس التركي، لكي يدرك، حال أراد ذلك، الواقع الدولي الجديد، وما تمثله مصر في ذلك الواقع من خلال الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان هناك حالة احتفاء هائلة به من كافة الزعماء في العالم أو من جاؤوا ممثلين عنهم، في ذات الوقت الذي كان الانحسار يحاصر فيه الرئيس التركي، والدور التركي، الذي أخذ في التلاشي نتيجة للسياسة الرعناء، الرؤى غير الموضوعية للدولة التركية، التي أصبحت مرفوضة في محيطها الإقليمي، ودوائرها المتعددة.

ولكن عوضا عن أن يواجه الرئيس التركي الواقع الرافض له ولسياسة بلاده، وبدلا من أن يعلن أنه لم يعد مرغوبا به من قبل الرؤساء والزعماء، فإذا به يخرج بتصريح يؤكد عمق هزيمته النفسية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، حينما أعلن أنه لم يجلس على مائدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأنها يجلس عليها رئيس الدولة المصرية عبدالفتاح السيسي، ذلك التصريح الذي عكس من بين ما عكس حرص الرئيس الأمريكي على تناول الغذاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ذلك أيضا الذي يعكس مكانة مصر مُمَثَّلَة في مكانة رئيسها، تلك التي يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على صم آذانه عنها ليتحقق فيه قول الفيلسوف اليوناني: الحمقى حين يسمعون يكونون مثل الصٌمّ، ولذلك يصفهم المثل "هم الغائبون رغم حضورهم!".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط