الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وما أدراك ما الدمج!


تابعت الملتقى الأول لمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة والدمج، واستمعت إلى كلمة معالي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني عن فكرة الدمج والغرض منها، وشاهدت الأفلام التسجيلية التي تشرح مفهوم الدمج، وانتابني الشعور للحظات أننا نحيا في المدينة الفاضلة، ونجاهد في سبيل تحقيق هدف سامي رفيع وهو بث روح الرحمة في القلوب والتكافل بين فئات الشعب المختلفة السليم منها ومن قدر الله له أن يعيش بقدرات مختلفة وبنسب من العجز، أيا كان نوعه، ثم سرعان ما عدت إلى أرض الواقع وانتهت من أمام عيني فعاليات الحلم الجميل لأرى الصورة المنتظرة بمفهومها الحقيقي، كما نحياه وبكل حيادية

فكرة الدمج كما شرحها معالي الوزير هي عبارة عن دمج بعض الحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة مع أطفال أصحاء بحيث تكون نسبة الدمج ما يقرب من ٥٪؜، وجاءت الفكرة على سبيل الاهتمام بتلك الفئة من المجتمع، ومحاولة لتفعيل دورهم في الحياة الطبيعية كحق لهم وسط أطفال سليمة تتمتع بكل القدرات التي حباها الله لهم، فكر في ظاهره الرحمة والتعاون ولكن هل يمكن تطبيقه على أرض الواقع؟

هل تم تأهيل المجتمع المصري لمثل تلك الخطوة الجريئة؟ لا يمكن أبدًا تطبيق مثل تلك الأفكار النبيلة بغير دراسة وافية لطبيعة الشعب المصري وسلوكياته التي تغيرت على مر العصور، شعب تعدي المائة مليون نسمة وبحسب الإحصائيات، فإن نسبة ذوي الإحتياجات الخاصة بمصر ما يقرب من الثلاثين بالمائة من المجتمع المصري من إعاقة حركية كانت أو بصرية أو سمعية أو عقلية أو توحد أو غيرها من الإعاقات.

مع الأسف الشديد ما زالت نسبة كبيرة من الشعب المصري تعاني من العنصرية والتنمر، وكلنا على علم بتلك الظواهر التي لابد أن نتخلص منها، التفرقة بين الطفل الأبيض والأسمر، ومعاناة الطفل السمين بين زملائه، وإطلاق بعض الأسماء الجارحة علي البعض كما يحدث مع الطفل الذي لم يرزقه الله تعالى بنعمة الجمال، والسخرية الدائمة من بعض الأطفال من الطفل شديد الذكاء وشديد الغباء على حد سواء، وإطلاق بعض الألقاب الجارحة مثل الأعرج، العمشا، الأحول وغيرها.

ومع الأسف الشديد أيضا لا يقتصر التنمر والفكر العنصري علي الأطفال فقط بل منتشر بين الفئات العمرية المختلفة، وإذا راجعنا التاريخ الموثق لسلوكيات الشعب المصري على مدى تاريخ السنيما المصرية على سبيل المثال سوف نلاحظ مدى التغير الكبير في سلوكيات الطبقات المختلفة من الشعب، لم نعد في عهد الأخلاق الحميدة والرقي في التعامل، أصبحنا مع الأسف في العصر الذي لم يعد الطالب يحترم المدرس كما كان في الماضي، ولَم يعد المدرس يهتم بترسيخ القيم الأخلاقية لدى الطلبة على العكس فإن صعوبة الحياة أجبرت العديد منهم على التفكير فقط في حل أزماته المالية عن طريق المجموعات الخاصة والدروس الخصوصية، ولا نستطيع أن نلقي كل اللوم عليهم، فالتزامات الحياة أصبحت قاسية، ومرتبات المدرسين لا تلبي احتياجاتهم اليومية، فكيف نطالب هؤلاء بالامتثال لأرقي المشاعر النبيلة والتعامل مع فكرة الدمج؟

لا يخفي على أحد ما يحدث في بعض المدارس الحكومية والفنية من سلوكيات تعدت مرحلة الخطر، من عدم الالتزام وعدم التمتع بالأخلاق الحميدة المعتدلة وعدم قدرة سيطرة بعض المدرسين على الطلبة، بالإضافة إلى التكدس المنتشر في الفصول وعدم قدرة المدرس على الشرح للتلاميذ نظرًا لكثرة العدد، فكيف به يستطيع السيطرة على الموقف في وجود أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال الأصحاء؟ علاوة على ذلك فإن النسبة المقترحة تجعل تقريبًا في كل فصل يحتوي على أربعين طفلا، طفل أو اثنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، هل درست الوزارة الحالة النفسية لذلك الطفل؟ كيف سيكون إحساسه وهو مختلف ولا يستطيع مسايرة الآخرين في الحركة والتحصيل الدراسي؟ نحن لا نتحدث هنا عن بعض حالات التوحد والتي تحتاج للشفاء الاندماج مع الآخرين، نحن نتحدث عن الاحتياجات الخاصة الأخرى من فقدان للبصر أو السمع أو الإعاقات الحركية والعقلية.

في حين أن فكرة تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة في الجامعات المختلفة حفاظا على حقهم في الوصول لأعلى الدرجات العلمية ليست بالفكرة الجديدة، والدليل على ذلك النابغة وعميد الأدب العربي طه حسين كان كفيفًا ووصل إلى أعلى الدرجات وحاز على احترام المثقفين في العالم أجمع، فالموهبة تفرض نفسها في النهاية وتتحدى كل أنواع الإعاقة، كذلك فكرة توظيف بعض ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير ما يقرب من خمسة آلاف فرصة عمل لهم أيضا فكرة كفلها القانون المصري لهم، على العكس أجد أن النسبة المتوفرة تحتاج للمراجعة ويجب أن تزيد حتى نستطيع أن نوفر لهم الحياة الكريمة، وضمهم جميعًا لمعاش كرامة مع مراعاة زيادة المبلغ المصروف بنسبة تؤمن لهم متطلبات الحياة المختلفة مراعاة لظروف حياتهم التي لا ذنب لهم فيها.

الفرق كبير بين المدينة الفاضلة وما يحدث على أرض الواقع، قبل الوصول للكمال في الأخلاق يجب التخلص من كل الصفات القبيحة التي انتشرت بين فئات الشعب المختلفة، والتأهيل لا يمكن الوصول إليه بين ليلة وضحاها، التأهيل النفسي يأتي بعد التخلص من الفقر والبؤس واليأس، وبعد بث روح الأديان والشرائع الدينية المختلفة، والوصول إلى شعوب كما كانت في عهد الأنبياء، شعوب تتمتع بقوة الإيمان واليقين بالمولى عز وجل، شعوب تتفهم الآية الكريمة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"، حينئذ نستطيع أن نطبق مفهوم الدمج، مفهوم الرحمة وتقبل الآخر، حين نتخلص من العنصرية الفكرية والسخرية من الآخرين، حين نتفهم أننا لا يد لنا في نعم المولى من بصر وسمع وقدرات عقلية.

أما إذا نظرنا إلي فكرة الملتقي العربي لتبادل الخبرات بين أطفال العرب من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي بالتأكيد فكرة جيدة، يستطيع من خلالها القائمون على تعليم وتدريب هؤلاء الأطفال الاطلاع على كل ما هو جديد لدى الدول الأخرى وكيفية تنمية المهارات المختلفة لتلك الفئة التي اختصها المولى عز وجل باختبار شديد الصعوبة في تلك الحياة، حتى نتعلم جميعًا أن الملك لله الواحد الأحد ونتعلم الصبر على البلاء والحمد للنعم، وأن الإرادة واليقين يفعلان المعجزات.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط