الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خير الأجناد!


فى ذروة الحرب العالمية الثانية، خرجت على لسان زعيم النازية أدولف هتلر واحدة من أشهر عباراته عندما قال: "٣ أشياء إذا امتلكتهم غزوت العالم.. سلاح روسى.. عقلية ألمانية.. جندى مصرى".. فالدُب الروسى كان مشهودًا له آنذاك بالتفوق العسكرى وتطور أدوات القتال والحرب، والجنس الألمانى يمتاز بالتفكير المنظم والتخطيط العلمى الصانع للمهارات والإنجازات.

أما الجندى المصرى فهو حدوتة فريدة جذورها ممتدة عبر التاريخ ويرويها للأجيال منذ مئات السنين، حينما وصف سيد الخلق الرسول محمد عليه الصلاة والسلام المصريين بأنهم خير أجناد الأرض وفى رباط إلى يوم الدين، وأشاد الجنرال الفرنسى نابليون بونابرت بقوة وبسالة هذا الجندى معترفا بأنه كان يحلم بأن يكون نصف جيشه من الطراز المصرى النادر.

وفى أعظم اختبار للعسكرية المصرية شهدت معركة "عين جالوت" عام ١٢٦٠ نهاية فصل وحشية التتار بسقوطهم المدوى أمام شجاعة وصلابة الجنود المصريين الذين راهن عليهم السلطان محمود قطز فى الانتصار على المغول ورفع راية الإسلام شامخة فى العالم أجمع!.

وتتوالى العهود وتختلف الأزمنة غير أن معدن الجندى المصرى يزداد انصهارًا ولمعانًا مع كل حقبة، وتبلغ قمة بطولته فى مواجهة حرارة الشمس الملتهبة دون غطاء جوى فى نكسة ٦٧ فى مواجهة قنابل وطائرات العدو الإسرائيلى، وتضاعف المحنة من تحمله ومقاومته للهزيمة فيقبع داخل الخنادق والأنفاق ٦ سنوات يخضع للتدريب والاستعداد وإعادة التأهيل انتظارا للحظة استرداد الكرامة والكبرياء.. ويتحقق الوعد فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ليعبر الجندى العظيم القناة ويحطم خط بارليف المنيع ويرفع علم الوطن فوق أرض سيناء المغتصبة ويقهر أسطورة الجيش الإسرائيلى بخطة عسكرية محكمة أنتجتها عقول مصرية خالصة تحت قيادة حكيمة ثاقبة بإمضاء "أنور السادات"، فما كان للعالم إلا أن ينبهر وتصير ملحمة العاشر من رمضان نموذجا يُدرَّس فى المعاهد والأكاديميات العالمية، وفى كل عام يمر لنحتفل بذكرى الانتصار، تتزين "سُترة" الجندى المصرى بالمزيد من الأنواط ونياشين الشرف العسكرى!. 

وما حدث فى عين جالوت وأكتوبر المجيد لا يقتصر جلاله على أبطال الميدان ورجال العزة وقت الحرب والشدائد، وإنما يحمل إجلالًا وإكرامًا أكبر للعقل المدبر للمعركة وأسلوب إدارة الأزمات وفلسفة اختيار الأنسب والأجدر للقيادة واتخاذ القرار وتحمل المسئولية استنادًا للكفاءة والموهبة وليس الولاء والثقة، ولولا هذه الخلطة السحرية المركبة ما كان لنا نصيب من نشوة الفوز وتحرير الأرض.

فالجندى المصرى يحتفظ بأروع الألقاب من واقع تجلياته فى عدة صور تكشف معدنه، فهو السياسى البارع، والعالم المخترع، والفلاح المُزارع، والعامل المُنتِج، والطالب المجتهد، والمثقف المبدع، ورب الأسرة الشريف، والمرأة الصامدة، والشاب الرجل فى الثكنات وكمائن الاضطرابات الأمنية .. 

وهذه الأجناد الباسلة فى جولات وحروب الحياة اليومية توفر الذخيرة الحية لحماية الوطن وتعمير أرضه، وتُفرز مجتمعا مُحصَنًا بـ "درع" العلم والعدل، و"سيف" القوة والنصر .. فهل لنا الآن .. وغدا .. وجيلا بعد جيل .. أن نفهم أدوارنا ونُتقن - قولا وفعلا - ترجمة أهم وأغلى وصف للشخصية المصرية .. "خير الأجناد"؟!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط