الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سقوط تركيا الأردوجانية!


لا يحتاج المرء كثيرا من التأمل ليدرك أن تركيا ذاهبة في أتون العديد من الأزمات نتيجة للسياسة الرعناء التي انتهجها ومازال ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوجان.

فالمحيط الجغرافي للدولة التركية يلفظها بكل ما تحمل المعنى من كلمة، فعلى الرغم مما يبدو تقاربا بين تركيا وإيران إلا أن هناك صراعا خفيا وآخر ظاهريا، الأول يمثله الصراع المذهبي: الذي تمثل الشيعة فيه إيران، وتمثل تركيا السنة، والأخيرة كانت تسعى - عن طريق المشروع الشرق أوسطي الذي كانت تلعب فيها جماعة الإخوان المسلمين رأس الحربة لمخطط الولايات المتحدة الأمريكية - أن تكون هي الفاعل الرئيسي، في محاولة منها لإحياء مشروع الخلافة العثمانية.

والصراع الثاني بين الجارتين اللدودتين يتضح أوضح ما يكون في الأزمة السورية؛ التي تناصر فيها إيران بكل ما أوتيت من قوة نظام الرئيس بشار الأسد، في ذات الوقت الذي تناصر فيه تركيا جماعات المعارضة المسلحة، كما تدعم الجماعات الإرهابية في أدلب آخر معاقلها على الأراضي السورية والتي تبذل أقصى ما لديها من مجهود، وتلعب مغامرة بكل أوراقها لكي تحافظ على أدلب في يد الجماعات الإرهابية، لتضمن لنفسها موضع قدم في سوريا، خاصة بعد أن استفاد الأكراد أكثر من يقضون مضاجع تركيا مكاسب دولية في الأزمة السورية.
ونفس ما يقال على إيران بالنسبة لتركيا يقال على روسيا التي تتجاذب العلاقات بينهما مرة الخلاف حول الأزمة السورية، وأخرى المصالح الاقتصادية، وثالثة المكايدة للحليف الأمريكي الذي تخلى عن صاحبة ثاني أكبر مشاركة في حلف الناتو، في محاولة منها لقص أجنحة الرئيس التركي الذي لم يصبح - نتيجة لتغير موازين القوى في المنطقة - ذا دور مؤثر في المنطقة.

ولا يمكن أن نغادر المحيط الإقليمي اللافظ لتركيا نتيجة للسياسة الرعناء لرجب طيب أردوجان دون الإشارة لعلاقته المتوترة بالقاهرة - هي رمان ميزان المنطقة - بعد ثورة الثلاثين من يونيه والتي حطم من خلالها الشعب المصري آمال أردوجان وجماعته، خاصة بعد أن اعتلى حكم مصر الرئيس القوي عبد الفتاح السيسي والذي أصبح شبحا بالنسبة أردوجان يطارده حتى في منامه، أما علاقات تركيا بالمملكة العربية السعودية التي هي أحد أهم دول المنطقة، وأحد أقوى الاقتصاديات في العالم، فلا يحتاج المرء كثير عناء ليدرك أنها في أقل مستوياتها، نتيجة للموقف التركي من الأزمة الخليجية، وكذلك المساندة الواضحة لتركيا للجماعات الإرهابية، هذا التوتر في العلاقة مرشح لمزيد من التوتر نتيجة لاختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي على الأراضي التركية، والتي استبقت فيها تركيا التحقيقات واتهمت المملكة في مقتل محتمل للصحفي السعودي؛ وهو ما سيكون له آثار سلبية هائلة؛ خاصة بعدما استدعت الخارجية التركية السفير السعودي مرتين خلال الأيام القليلة الماضية، برغم إعلان ولي العهد السعودي في مقابلة صحفية عن إمكانية قيام تركيا بتفتيش القنصلية السعودية في إسطنبول، ولكن بديلا عن أن تتحلى الإدارة التركية بالحكمة المناسبة - التي يفتقدها دائما نظام رجب طيب أردوجان - تحدث مسؤولان تركيان لوكالة رويترز يؤكدان أن خاشقجي تم قتله داخل مبنى القنصلية السعودية وتم نقل جثمانه إلى الخارج، في محاولة مستميتة من نظام أردوجان لوضع السعودية تحت ضغط عالمي! وهو ما يشير إلى الوجهة التي تسير إليها العلاقات السعودية التركية!.

أما علاقات تركيا أردوجان بالاتحاد الأوربي الجار الأهم لتركيا، فلم تشهد العلاقات التركية الأوربية تدهورا في تاريخها الحديث، مثلما هو حادث الآن، وأكبر دليل على ما نذهب إليه، هو تلك الزيارة الأخيرة للرئيس التركي إلى ألمانيا، والمواجهة الحادة بينه وبين الرئيس الألماني شتاينماير، وكذلك رفض العديد من الساسة الألمان لحضور العشاء الذي أقيم لرجب طيب أردوجان في قصر الرئاسة ببرلين، بالإضافة للمظاهرات المناهضة لهذه الزيارة، كل ذلك يعكس إلى أي مدى وصلت علاقة بألمانيا من ناحية، والاتحاد الأوروبي الذي أعلن أن تركيا أبعد ما تكون الآن عن القيم الأوربية ومن ثم لا مكان لها بالاتحاد الأوربي من ناحية أخرى. فضلا عن العلاقة العدائية لتركيا لكل من اليونان وقبرص.

أما الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضرب تركيا والتي جعلت العملة التركية تفقد ما يقترب من نصف قيمتها، فإنها أكدت أن ما كان يتم تصديره من قوة الاقتصاد التركي ما هو إلا وهم، وأن تلك القوة المزعومة كانت فقاعة خاوية، ما أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بعض العقوبات الاقتصادية على تركيا إلا وانفجرت هذه الفقاعة التي حاول الرئيس التركي استثمارها من خلال رفع الروح الوطنية عند شعبه حينما وصَّف الحالة بأنها حرب على تركيا المسلمة، ليحيي صراعا دينيا في نفوس أبناء الشعب التركي التواق لمجد غابر، وليخلق نوعا من التحدي والإصرار لدى شعبه، الذي لن يصمد طويلا، والحال على ما هي عليه، تلك الحال التي تؤكد أن تركيا على حافة الهاوية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط