الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مجاذيب أردوغان.. لا أمل في شفائهم


يوما بعد يوم تؤكد الأحداث خطأ سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يلحظ ذلك المتابع للشأن التركي بكل سهولة، ويستنتج ذلك المتابع لقضايا منطقة الشرق الأوسط التي تورطت فيها تركيا، ويؤكد ذلك تلك العلاقات المتوترة بين تركيا والقوى الإقليمية من ناحية وبين تركيا والقوى العالمية من ناحية أخرى.

لم يقتصر فشل السياسة التركية على الناحية الخارجية فحسب، بل ظهرت ذلك الفشل واضحا جليا في الداخل التركي؛ فلم تشهد تركيا توترا بين مكوناتها العرقية كما شهدت في عهد أردوغان الذي تمثل بكل وضوح في العرق الكردي الذي وصلت علاقته بالدولة التركية إلى اسوأ مستوياتها في عهده.

ولم تشهد تركيا تضييقا على الحريات مثلما شهدت في عهد أردوغان؛ الذي استغل محاولة الانقلاب الفاشلة صيف ٢٠١٦ ليزج بجميع خصومه في غياهب السجون، ويحوِّل تركيا إلى سجن كبير؛ بعد إعلان حالة الطوارئ التي شهدتها تركيا في أعقاب محاولة انقلاب 15 يوليو ٢٠١٦، بالإضافة إلى إعادة الحكم بالإعدام ليتباعد أكثر عن القيم الأوربية، ومن ثم تفقد تركيا ما تبقى من فرص لالتحاقها بالاتحاد الأوربي الذي يشترط عدم وجود عقوبة الإعدام في أية دولة من دوله؛ بل طالبت النمسا الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي منذ يوم واحد بإلغاء عقوبة الإعدام في العالم.

لقد وجه أردوغان سهاما نافذة إلى الديمقراطية في بلاده وذلك من خلال إقرار دستور حوّل تركيا إلى نظام رئاسي كامل، وجعل الرئيس يتحكم في مفاصل الدولة بشكل غير مسبوق، اتضح ذلك في تدخل أردوغان في السياسة النقدية للبلاد، وفي أخص اختصاصات رئيس البنك المركزي الذي يجب أن يكون بمعزل عن الرغبات السياسية للرئيس التركي، وهو ما أشاع تخوفا هائلا لرؤوس الأموال الأجنبية والمحلية، وهو ما فاقم من أزمة سعر صرف الليرة التركية التي هوت لما يقترب من النصف بعد عقوبات أمريكية محدودة على تركيا.

كل ذلك جعل تركيا تتذيل قائمة الدول الديمقراطية، بعدما جاءت في المرتبة 41 والأخيرة في مؤشر الديمقراطية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك وبعد كل هذه الأزمات التي ضربت وتضرب تركيا، مازال العديد من أنصار أردوغان لا يعون إلى أي مدى أوصلت سياساته البلاد إلى نفق مظلم! 

وأن هناك العديد منهم مازالوا مقتنعين بصواب منهج الرجل، وهذا ما ذكره تقرير مؤشر الديمقراطية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي الذي أعدته مؤسسة برتلسمان شتيفتونج الألمانية، التي أعدت هذا التقرير.

 حيث ذكر أنه رغم ذلك حسب التقرير الذي صدر، الثلاثاء الماضي، أن ثقة المواطنين في الحكومات غير الليبرالية في المجر وبولندا وتركيا تتزايد على الرغم من تراجع معايير الديمقراطية في هذه الدول؛ معزيا ذلك بأن القيم الديمقراطية الأساسية ليست راسخة بشكل كاف في الوعى السياسي لجزء كبير من المجتمع التركي.

أما تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القضاء فلا شك في حدوثه، ولعل قضية القس الأمريكي أندرو برانسون والتي كانت سببا مباشرا لانهيار الاقتصاد التركي ومن ثم الليرة التركية، حينما طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بالإفراج الفوري عنه، وحينها تقمص أردوغان ثوب عنترة بن الشداد، وملأ الدنيا زئيرا معلنا أنه لا إفراج عن القس إلا بحكم قضائي؛ وإذا به بالأمس من خلال مسرحية هزلية يفرج عنه؛ بعد أن غيّر أربعة من الشهود أقوالهم؛ في ذات الوقت الذي كانت الصحافة الأمريكية قد أكدت في تقارير مستبقة المحاكمة أن القس سوف يتم الإفراج عنه محددة الموعد بدقة شديدة، لتسقط عن أردوغان آخر أوراق التوت، ويظهر عاريا تماما أمام العالم أجمع باستثناء مجاذيبه الذين استمروا في غيبوبتهم؛ مصدِّرين أو بالأحرى متوهمين أن هناك صفقة كبيرة سيكون لها عائد كبير تمت بين حاكمهم العبقري! وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب! ونحن نتساءل أي صفقة تلك التي يمكن أن تعيد الخسائر الفادحة للاقتصاد التركي، فضلا عن الكرامة التي بُعْثِرت في كل اتجاه.

نحن نعلم أن مجاذيب أردوغان لن يروا في الرجل أي نقيصة؛ ذلك لأنه دغدغ مشاعرهم واستخدم الدين مطية للوصول إلى أهدافه؛ مستغلا الحب الفطري للدين؛ مستلهما المجد الغابر للإمبراطورية العثمانية، واعدا بتحقيق حلم البسطاء في الخلافة الإسلامية التي انهارت في بداية العقد الثالث من القرن الماضي.

 وهذا الخطاب الديني الذي يسلكه أردوغان يجعلنا نذهب إلى أن من اقتنع من أنصاره بهذا الخطاب سيظلون على هذا الاقتناع؛ ولا أمل في شفائهم من الوهم الذي صدَّره لهم الرئيس التركي الذي تؤكد كل المعطيات فشل تحقيق الحد الأدنى لما يتطلع له هؤلاء المجاذيب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط