الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كواعب البراهمي تكتب: دعوى خلع

صدى البلد

إنها تتذكر ذلك اليوم جيدا.. كل ما فيه.. منذ أن سمعت رنين المنبه وأقفلته وقامت من نوم ليس كافيا، ولا شعورا مريحا، وتناولت ساندوتش من الجبن ومعه كوبا من الشاي، وهمت بالنزول من البيت.

لم تكن تريد أن تمشي، شعرت كأن خطواتها ستتعثر، وخافت من لقاء غير مرغوب فيه، ربما يقابلها وهي في الطريق.. وهي لا تريد أن تتحادث معه أبدا.. فاختارت أن تأخذ تاكسي.

وقفت على باب المحكمة قبل الدخول إلى البهو الذي يؤدي إلى قاعة الجلسات. كانت إمرأة جميلة ذلك الجمال الهادي الذي يريح النفس. لا هو الجمال الصارخ الذي تتعلق به العيون، ولا  هو الشكل العادي الذي يمر أمامك دون أن تلاحظه أو أن تجد فيه ما يلفت نظرك، كانت جميلة خارجيا كما هي جميلة من الداخل.

كانت ترتدي بدلة لونها رمادي, ربما لأنها كانت تشعر أن حياتها أصبحت بذات اللون. وكانت تضع شعرها في غطاء أزرق، يقال عليه طرحة أو إسكارف، وكانت تضع شيئا بسيطا من الزينة تظهر جمال الملامح وتحددها،
لم تكن تحب البهرجة في أي شيء.. بساطتها عنوانها.

سألت أين قاعة جلسات الأحوال الشخصية، فأشار لها المحامي الذي سألته دون أن ينبس بكلمة، شكرته وذهبت وجلست في الصف الأخير، تنتظر أن تسمع أسمها في رول الجلسات مع المدعين، ورأته يجلس في الصف الأول.

لم يكن واضحا أنه سعيد، ولا تعيس أيضا.. كان شيئا يشبه اللا شيء. وكان واضحا أنه لم ينم منذ فترة، كان يبدو عليه الإرهاق والقلق رأت ذلك عندما كان يعاود النظر للباب الخارجي للقاعة، ربما تمني ألا تأتي، وربما تمنى أن تأتي وينتهي من تلك الحياة التي دمرها بنفسه، وأفسدها ولم تعد صالحة له ولا لها.

وبينما هي جالسة ترقب حركات الناس، وترقبه، وتحاول أن تظهر بصورة الشخص الذي لا يبالي، وكأن الأمر لا يعنيه ولا يهمه.

فإذا بها تسمع صوت الحاجب الذي رفعه مناديا محكمة.. فتحت الجلسة
وكأن تلك الكلمات أخذتها من مكانها إلى مكان آخر في زمن آخر، مكان وزمان لم تكن تتخيل أنها ستذهب إليه في حياتها أبدا.

فلم تكن تتوقع أن تنتهي كل طموحاتها معه وأحلامهما الوردية في تلك القاعة
وكانت بداية الجلسة التي أنهت حلم كان يوما هو كل حياتها.
وعندما جلست للمرة الأخيرة معه كانت تدرك أنها الجلسة الأخيرة التي تجمعهما أو هكذا هي تمنت وكانت تدرك أنه لا بد من تلك الجلسة، لكي تستطيع أن تعيش وأن تكون كما كانت دوما تتنفس الحرية.

صبرت طويلا قبل تلك الجلسة، كانت لم تتمناها، ولكنها أصبحت أغلى أمنية عندها. لأن بعدها تستطيع أن تقول إنني ما زلت أعيش وما زال نفس الهواء يتردد في القفص الصدري.

كانت تعلم أنها أصعب جلسة في حياتها. وكانت تعلم أنها ستدفع فيها غاليا. ولكن ما كان أي شئ يغلو فوق حياتها وحريتها. عاشت طوال عمرها حرة وعندما كانت تتخلي عن جزء من حريتها لم يكن لأنها كانت ضعيفة أو غبية، لا بل لأنها كانت محبة.

ومن يعرف الحب ويعيشه يعرف فعلا أن الحب تضحية. والتضحية دوما تقدم بنفس راضية وبروح جميلة.
كان عليها أن تضحي تلك المرة بالحب نفسه، من أجل حياتها، فلا شيء يعلو فوق الحياة نفسها. عندما يخير الإنسان بين الموت وبين أي شيء آخر أو بمعني أصح عندما يكون الموت هو الخيار الثاني، فلابد أن يضحي الإنسان من أجل أن يعيش، ولكن يختلف كل شخص عن الآخر في أنه كيف يعيش، فالبعض يعتبر ويؤمن أن الحياة بذل الموت أفضل منها كثيرا . والبعض يعتقد أن التضحية بالحرية والحياة في الذل من أجل أن يكون مع أولاده هو نفسه الحياة . لان البشر يختلفون كثيرا . ليس في الشكل والطول واللون . ولكنهم يختلفون أكثر في مشاعرهم وفي قناعاتهم وفي إيمانهم بالأشياء وحبهم لأنفسهم أو للغير .

لذا كانت الجلسة الأخيرة من أصعب الجلسات التي كان لزاما عليها أن تحضرها وتكون هي من يتحدث عن نفسه وليست كما كانت دوما وكيلة عن شخص.

الجلسة الأخيرة تركت بصمات في روحها لا يمحوها الزمن ولا تمحوها الأيام ولا يمحوها أي شيء، ربما تأثيرها لم يعد موجودا ولكنها ذكرى لا يمكن أن تنسي لأنها حفرت حفرا في الوجدان.

مازالت تتذكر كل شيء، ذهبت وهي تعلم أنها ستتنازل عن حقوقها التي شرعها الله لها, قالت لا أريد منك شيئا، فكل ما أريد حريتي. لا أريد نفقة ولا مؤخر صداق ولا أريد مالك.

ربما هي لم تختر هذا الخيار بإرادتها الحرة ولكنها كانت مرغة، لأنه الشرط الوحيد للحصول على الطلاق وعلى الحرية.

ما أسوأ الإنسان وما أظلمه. عندما يريد شيئا يقدم كل الوعود بالخير ويقدم كل العروض الوردية, وعندما لا يريد يظهر الوجه القبيح المستغل.

سألت نفسها مرارا وتكرارا لماذا أنا أتنازل عن حقي الشرعي؟ لماذا أنا أتنازل عن حقي في أن أعيش بحرية وبكرامة. لماذا أنا التي تدفع ثمن خيانتك أنت وتغير مشاعرك أنت وكراهيتك أنت لي.
ماذا فعلت أنا لكي أتنازل وأدفع من حقي الشرعي؟ ماذا جنيت لكي أعاقب بترك مالي وما أقره الله لي وحدده لي من فوق سبع سموات؟
هل أنا التي عرفت شخصا آخر وتزوجته عليك دون علمك وأسأت معاملتك؟
هل أنا التي تخليت عند دون ذنب منك ودون خطأ منك؟ فلماذا إذن أنا من يجب أن يخسر في كل الاتجاهات؟
أخسر حبا وأخسر بيتا وزوجا ومالا؟ لماذا أنا أدفع لثمن خيانتك أنت.

وبعد مرور سنوات علي تلك الجلسة كانت تسأل نفسها لماذا تقف في صف المرأة. وكانت لا تدري الإجابة بالضبط, ولكن بعد سماعها عن نفس القصة ولكن يختلف الأشخاص تيقنت من الجواب.

لأنها علمت عن يقين ظلم الرجال, علمت أن الرجل هو الذي يخون وهو الذي يخدع وهو الذي يفعل ما يريد, وحتي عندما تريد المرأة أن تحصل على الحرية الحرية فقط, أن تحصل علي الحياة عليها أن تدفع الثمن, وعليها أن تتنازل عن حقوق جعلها الله لها.

لا تدري كيف يعيش شخص سعيد بعد أن أخذ حقوق إمرأة وأعطاها لإمرأة أخرى، كيف يضحك ويأكل ويشرب وهو يعلم أن ما أخذه أخذه من إنسانة مرغمة على ذلك، مرغمة لأنه كان لزاما عليها أن تقدم للحرية ثمنا. أيا كان الثمن فهو لا شيء يذكر مقابل الحرية.

ما زالت الجلسة الأخيرة دليلا قويا على الظلم والفساد والتحكم والتسلط.
وإن كانت نساء كثيرات تتمني حضور تلك الجلسة الأخيرة، ولكن ربما ليس لديها القدرة علي دفع تذكرة تلك الجلسة . ليس لديها القدرة على حرية الاختيار وحرية التنازل وحرية الترك.

يوجد بداخلها حسابات كثيرة، كيف سأعيش ومن أين سأنفق وأين سأقيم، فتتراجع عند بوابة الجلسة الأخيرة، وتعود من حيث أتت ، تعود بلا روح وبلا حياة.
ِ
تقيم مثلها مثل أي كائن يأكل ويشرب وينام ويستيقظ، ولكنه أبدا لا يعيش, لا يعرف معني الحياة كما هي حياة, يعرف أن الحياة هي فقط انتظار لعالم آخر. تظل تحلم وتحلم أنه سيكون هو النجاة من الحياة الدنيا.
ثم قامت لتنظر في المرآة، فرأت وجها لازال الحزن يطبع عليه بصمة، وابتسامة لم تعد من القلب.ِ