الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفن مرآة المجتمع.. وذلك أضعف الإيمان


دائما ما نطالع فى الأدبيات الثقافية و الفنية عبارة (الفن مرآة المجتمع)، ولكن أليس علينا تجديد أفكارنا قليلا علي اعتبار أن التطور يتطلب دائما أفكارا متجددة، وألا نأخذ الأشياء علي أنها حقائق، أو مسلمات.

عبارة الفن مرآة المجتمع، هل توحى بالاستسلام؟ أم أن من صاغها كان يقصد من خلالها تغيير أهداف الفنون من قائد يرسخ أفكارا إيجابية لدى الجمهور، ويكون من شأنها تثبيت مبادئ وقيم اجتماعية تصبح طريقة حياة مع الوقت، إلي انحسار دور أهل الفن فى نقل ما يدور من مساوئ إلي الشاشات أو عالم الرواية، أو عالم الموسيقي؟

الإجابة المنطقية نجدها فى تاريخ الفن والحضارات، ففى زمن انحسار، وانكسار الحضارات ينتشر الفن الرديء، ويعبر فقط عن حالة المجتمع، ليس لأنه مرآة، بقدر ما يعكس رداءة القائمين عليه، حيث تجد المستنيرين ليس لهم مكان فى صناعة فن تلك اللحظة، ويتهافت عليه من يجيدون التعامل مع الفن كسلعة قابلة للتجارة، بينما فى حالات أخري نجد الوصول بثقافة وفن بعض الشعوب لهذا المستوي فعل مقصود غالبا ما تؤثر فيه الأوضاع والصراعات السياسية.

يعتبر هذا الرصد ضروريا لدراسة حالة الفن فى مجتمع ما، وعندنا فى مصر خير دليل، مثلا حالة الفنون فى الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين نتيجة الاحتلال، وتفشى الأمية بين الطبقات الفقيرة والريفية، والكساد الاقتصادى والأزمة العالمية الشهيرة، بينما فى الخمسينات والستينات عندما كان المجتمع فى حالة تكامل اجتماعى وثقافى ظهر أفضل الأدباء والشعراء والمفكرين والملحنين، حتي الثقافة الشعبية صارت تنتقى كلماتها فظهر غناء الحكمة فى المواويل فى وجه بحرى، وغناء الملاحم الشعبية والبطولات و الحكمة أيضا فى غناء الموالد بالصعيد.

وهذا من أجمل ما يتم استحضاره الآن فى صور متعدده وجميلة، حيث يلعب بعض الفنانين دور القائد لشد المجتمع لحالة أفضل مما هو عليه من سيطرة بعض المنتفعين وأصحاب المصالح.

من أمثلة ذلك الأغنية التى تغني بها وائل الفشنى فى آخر حلقات مسلسل (طايع) رمضان 2018 وهى تحمل عنوان (فوق كتافى حمل) جاءت الأغنية من نوع أغانى الحكمة وهو المنتشر فى التراث الثقافى لأهل الصعيد المصرى، و باللهجة الصعيدية أيضا.

كلمات الأغنية لأول وهلة تخطف أذنك لتتأملها (ماشى وشايل فوق كتافى حمل، وبأقول يارب يا معين، ده أنا جرحى واعر وحزنى ساكن، وأهو كله مكتوب عالجبين، راحوا الأحبة يارب، صبرنى عالفراق يا رحيم، مولاى أشكو إليك ضعفى، ده أنا بقضاك يارب من المؤمنين، يارب أنا ماشى فى خطاك طايع، وإنت بحالى سميع وعليم) ما أرقي كلمات تحمل حكمة الزمن ومعرفة الخالق بالقلوب و الوجدان، كلمات يتذوقها الناس بفطرتهم وليس بثقافتهم، وهى من كلمات الشاعر (ياسر حسين).

ثم يأتى الفنان المتذوق (طارق الناصر) ليصيغ لحنا صعيديا مصريا حقيقيا رغم أنه أردنى الجنسية، وكأنه يطوف موالد الصعيد ويستمع لموسيقي الذكر المصرى، ويعرف تماما ما هى الآلات الشعبية المستخدمة فى هذا النوع من الغناء، و اللحن هنا ليس له إيقاع (ضرب) فمن يغنيه فى حالة مناجاة مع ربه يحدثه ويشكو إليه، لا يتحمل أى وسائط بين اللحن وكلماته.

وتحدثنا سابقا عن قدرة المطرب الحقيقى وائل الفشنى بما يملكه من خامة صوتية ومخارج حروف وقدرة عالية علي غناء المقام الموسيقى، وبالتأكيد ثقافة تجعله واعيا بما يغنيه ومتذوق له حتى يستطيع أداءه بشكل تعبيرى احترافى.

ما يسعدنى أن يكون استدعاء تلك الأنواع من الأغانى و الألحان والكلمات الجادة تجربة حقيقية تستمر و يتوسع فيها القائمون عليها، خاصة أنها تلاقى نجاحا جماهيرا وتحظي بنسب مشاهدة عالية، لعل ذلك يجعلنا نؤمن أن علينا دورا فى رسم قيم مجتمعنا بالفن، وأن الفن ليس مرآة للمجتمع باستمرار.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط