الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكايات الطريق


إذا كانت لديك مصالح معطلة ولَم تستطع إنجازها، وقررت أن تأخذ إجازة من عملك لتنجز تلك المصالح، فعليك بتأهيل نفسك أولًا للمعاناة التي سوف تواجهها وأنت تتنقل بين المصالح الحكومية المختلفة، وخصوصًا إذا كانت كل مصلحة تبتعد عن الأخرى في المكان، عليك أن تؤهل نفسك لقضاء الوقت مع حكايات الطريق.

في الصباح الباكر الجميع في عجلة من أمره، الكل يسعى إلى لقمة العيش، والأُتوبيسات في كل مكان في الدورة الصباحية منها ما يحمل أطفالًا من مختلف الأعمار، وأخرى للنقل العام، الوجوه جميعها ما بين النوم واليقظة، لا تعلم حقًا هل الجميع قد أفاق من غفوته، أم أنهم ما زالوا في حالة السكون، ما بين الموت والحياة.

إذا كانت لديك سيارة، فاعلم أنك يجب أولا أن تحفظ ردود أفعال السائقين وهم ما زالوا في تلك الحالة الكونية الغريبة، الصمت والوجوم على جميع الوجوه من حولك، وإذا كنت من المحظوظين قد تسلك الطريق في يسر حتى تصل إلى مبتغاك، أما اذا كنت عسر الحظ وقررت المرور من إحدى الطرق التي يتم توسيعها كما يحدث مثلًا على طريق السويس، حيث يتم توسيع الطريق، فعليك بالصبر والدعاء، حتى تمر بأمان من تلك المنطقة التي تتكدس في لمح البصر حتى أن عقلك لا يدرك وأنت ما زلت ما بين النوم واليقظة من أين يأتي هؤلاء البشر.

قبل الدخول إلي المكان الذي تقصده لقضاء مصالحك، عليك بالدعاء والابتهال إلى المولى عز وجل أن تجد الموظف المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب، ونصيحة يجب أن تأخذ بها، لا تذهب إلى أي مصلحة في وقت يقترب من موعد صلاة، حتى لا تصاب باليأس، فقد حدث معي بالفعل، جاء موعد الأذان أثناء تواجدي إحدي المرات لقضاء إحدي المصالح المعطلة، وبالطبع ذَهَبَت الموظفة المنشودة إلي المسجد لآداء الفريضة، وانتظرت طويلًا حتى أنني يأست، فذهبت إلى المسجد للبحث عنها، وبالطبع بعد عذاب من الانتظار، ظهرت الموظفة المسئولة والتي نظرت إلى الساعة في تعجب، ليكون الرد: عليكِ بالمرور في وقت آخر، فهذا موعد للصلاة.

وبعد طول مناهدة مع الشخص المسئول تذهب وأنت في حالة من الصمت، لا حول لك ولا قوة، ولَم تُنجز ما أتيت من أجله، على الرغم من ذهابك في مواعيد العمل الرسمية، وتعود من حيث أتيت، صفر اليدين، لتعود إلى حكايات الطريق، وقد يكون اليوم من الأيام النحسات، فتجد الطريق معطلا بسبب إحدى الحوادث، ولا حول ولا قوة إلا بالله قد تجد بعض الجثث الملقاة على الأرض في انتظار عربات الإسعاف، فيتعطل المرور، وتضطر للانتظار وأنت تدعو الله أن يكفيك ويكفي غيرك شر مخاطر الطريق.

ثم تنتقل إلى طريق آخر لقضاء مصلحة أخرى، فإذا بالطريق مغلق والعربات معطلة عن المرور، فتحاول أن تعرف السبب فتفاجأ بأصوات صرخات تأتي من بداية الطريق، وعندما تقترب تجد نفسك أمام معركة حقيقية بين ركاب سيارة وركاب سيارة أخرى، يعند كل منهما على أحقية الآخر بالمرور أولًا فتتحول الكلمات إلى لكمات من جميع الأطراف وشتائم متناثرة هنا وهناك، ويتدخل آخرون لفض النزاع ويتعطل الطريق، وأنت تنظر للجميع في صمت.

ثم تحاول الخروج من هذا الطريق، لتعود إلى منزلك بعد يوم عصيب لم تٌنجز فيه أي شيء رغم خروجك من بداية النهار محاولًا أن تقضي مصالحك، وقضاؤك اليوم في الطرقات، وتعود من حيث أتيت قد تكون محظوظًا إذا كنت من سكان المدينة المنيرة ذات الأعمدة في الطرقات، فتصل لمنزلك وأنت ترى الطريق من حولك بعد المعاناة وينتهي يومك، وقد تكون حالك كحالي وحال آخرين، الطريق منير في بدايته شديد الظلام في معظمه، ثم يظهر النور من جديد في النهاية ليعلن عن قرب الاقتراب من المنزل، فتعود وأنت منهك، لتلقي جسدك على أقرب كرسي، وتجلس دون كلمة، لأنك لم تُنجز أي شيء، ويجب عليك أن تعيد الكرة في الصباح الباكر وتبتهل وتصلي أن تذهب وتجد الموظف المسئول في موقعه، لم يأخذ إجازة عارضة دون بديل له ولَم يأتي موعد الصلاة لتذهب للبحث عنه بعد ساعات من إقامة الصلاة ولا تجده و إذا كنت محظوظًا ووجدته لا يؤنبك أنك أنت المخطئ، لأنك أتيت في موعد صلاة، علي الرغم من عدم انتهاء يوم العمل الرسمي.

الخلاصة أن لقضاء المصالح دعاءً وابتهالا مختلفا، عليك بالوضوء، وقيام الليل وأنت في حالة من الخشوع والخضوع للمولى عز وجل، وتدعوه دعوة المغلوب على أمره، اللهم ارحمنا فيمن رحمت وتولنا فيمن توليت، وحنن قلوب البشر ليقضوا مصالحنا دون ذهاب وإياب لأيام في نزهات الطريق مع حكايات الطريق التي لا تنتهي، وربما يكون عليك بالصدقة، فإن الصدقة تشفي المريض وتفك الكربات، لعلها تكون ساعة استجابة وتقضي مصالحك دون معاناة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط