الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جرجس بشري يكتب.. لماذا يستحيل حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي في مصر؟

جرجس بشرى
جرجس بشرى

قرأت مؤخرا مقترحًا للنائب إسماعيل نصر الدين ، عضو مجلس النواب المصري بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي ، ويبرر النائب مقترحه بقوله أن هذا القانون سيمنح قدرا من المصداقية لمصر أمام العالم ، وأنه سيكون بمثابة أول خطوة لبناء دولة حديثة وعصرية ومتميزة ورائدة في الشرق الأوسط ، وسيمنع أي تمييز بين المصريين على اساس الدين، 

وبغض النظر عن ردود الأفعال على هذا المقترح بين مجموعة كبيرة من الرافضين ،وهم مجموعة لا يستهان بها وقادرة بالفعل على تشكيل رأي عام يطيح بالمقترح حاليًا ، ومجموعة من المؤيدين بشدة لهذا القانون وخاصة عدد من المسلمين والأقباط والبهائيين والشيعة والملحدين ودعاة الدولة العلمانية كما يطلقون على أنفسهم ، وربما يخدم هذا المقترح منح الجنسية المصرية لـ "يهود " مستقبلا ،والحق أقول أنني من أكثر الداعمين للدولة المدنية التي تؤكد على الحقوق الكاملة لكل مواطن على أرض مصر دون انتقاص ؛ بغض النظر عن دينه أومذهبه أو لونه أو عرقه أو .. أو.

ولكن السؤال المنطقي الذي يجب أن يوضع في الإعتبار تهويل أو تهوين هو : هل يمكن عمليا في دولة كمصر يعتبر " الدين " أحد أهم مكونات سماتها الشخصية المتوغلة في التاريخ أن حذف خانة الديانة كدة عادي ؟! خاصة وأن هناك مادتين في الدستور المصري الذي استفتي عليه الشعب المصري إحداهما هي المادة الثانية التي تنص على أن " الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع " ، والمادة الأخرى هي المادة الثالثة التي تتعلق بحقوق للمسيحيين واليهود ، خلي بالك أن المادة هنا عرفتهم بالاسم وتنص هذه المادة على " مباديء شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المبدأ الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية " .

والسؤال الأخطر والأهم هنا : هل ستمنع حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي التمييز الذي وصل لحد الإضطهاد الذي وقع بحق الأقباط والشيعة والبهائيين وأهل النوبة واللادينيين واليهود المصريين في أنظمة سابقة ثار ضدها المصريون ؟ وهل حذف خانة الديانة ستكون هي المؤشر الأوحد الذي يحسن ويُجَمِل صورة مصر في الخارج ؟ وماذا لو تم حذف خانة الديانة واستمر التمييز بين هؤلاء المصريين على أساس الدين والمذهب والعرق في تقلد المناصب الحساسة في الدولة وبناء دور العبادة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وعدم ملاحقة من يتوعدون هذه المكونات المصرية الأصلية بقوة القانون استنادا إلى أفكار متطرفة لا تعبر عن جوهر وسماحة الإسلام؟

وفي رأيي الشخصي ولن أكون مبالغا إذا قلت وربما لا يعجب هذه الرأي بعض الحنجوريين ودعاة البطولات الزائفة من بعض الأقباط ، وبعض دعاة الدولة العلمانية ؛ إن إقرار مجلس النواب لهذا القانون سيخلق فوضى مجتمعية عارمة في الشارع ، لأنه إقراراه سوف لا يمنع التمييز بل الذي يمنع التمييز هو تطبيق القانون بحسم على الجميع كما أن إرساء دائم الدولة الوطنية التي تقوم على المواطنة هي التي تحسن صورة مصر في الخارج والداخل معا ً ، خاصة وأن إقرار هذا القانون لو تم وأظنه لا يتم حاليا ، سيخلل المراكز والكيانات القانونية لاستقرار المجتمع ، خاصة وأن هناك حقوقا معينة تتعلق بالدين بل والمذهب كالميراث والزواج والطلاق و.. و.

كما أن حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي لا يمنع تسمية اسماء لها مدلول ديني مثل محمد وخالد وأبو بكر وفيليب ومينا وميخائيل وغبريال ، ولنفترض أنه تم حذف خانة الديانة وترشح مثلا بطرس وانطونيوس وبولا لمنصب قيادي وترشح مكاريوس وبنيامين لمجلس النواب فهل هذه المادة ستمكنهم من مجلس النواب أو المنصب القيادي لو كان القائمون على اللجنة متطرفين وكان من الناخب يسيطر على فكره وذهنه التمييز والتشدد والتطرف ؟!.

يا سادة إن معضلة التمييز لا تعالج بهذه السذاجة السياسية على الإطلاق بل مطلوب دورا مهما من القائمين على إفاقة الفكر من غيبوته وتشدده لخلع وسلخ التمييز من الرؤوس ويجب على الأزهر والكنيسة والإعلام والمدرسة أن يكون من أهم مهامها الإنسانية الواجبة هي محاربة التمييز الفكري بين المصريين وترسيخ المواطنة وسيادة القانون أما غير ذلك من الأمور التي تعالج العرض لا المرض فهي سذاجة وسطحية فائقة تجعل الآخرين يضحكون علينا بل ويتقلبون على ظهورهم من كثرة الضحك.