الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفرق بين التخيل والإلهام


من عجائب مخ الإنسان أن بداخله جنود لا تغفل ولا تنام يقومون بالتفتيش عليه وتوجيهه! من هؤلاء المفتشين "النفس اللوامة" التي ذكرها القرآن الكريم في أول سورة القيامة، وهي النفس التي تحاسب نفسها وتعدل مواقفها، وهناك مفتش آخر هو "التخيل" المسئول عن إتمام الأعمال اليومية، ثم الإلهام، ذلك الجندي المجهول الذي يعمل في الخفاء ولا يكشف عن نفسه، لكنه وراء كل الاختراعات والإبداعات عبر التاريخ.

ومع أن العلماء حددوا مكان النفس في الفص الصدغي للمخ، إلا أنهم لم يعرفوا أماكن التخيل والإلهام بعد، عرفوا فقط أنواعها وأنشطتها وأنها تنطلق من الواقع والذاكرة لتوجيه وتحويل أحلام الشخص إلى حقيقة. 

وصف العلماء التخيل بأنه "العين التي يرى بها الأعمى" لأنه يعمل خارج الحواس الخمس، وقال عنه أينشتاين "التخيل أهم من المعرفة، لأن المعرفة محدودة لكن التخيل متسع باتساع العالم"، وهو دائما يسبق الإبداع ويصنع أفكارا من العدم، والدليل على ذلك أن كل ما نراه اليوم كان "خيالا" في الماضي. 

من أبرز أنشطة التخيل في المخ ما يلي: تخيل صور وأحداث مضت، لكن ليس بنفس الترتيب الذي مرت به، ويعني الحنين إلى الماضي وتأمل في حال الزمن، كاستعراض أحداث اليوم قبل النوم، وتخيل ماض بعيد كالمدرسة الابتدائية ومدرسيها، وتعتبر الأحلام من التخيلات "الإجبارية". أما التخيل الواقعي فيحدث عند تسيير الأعمال اليومية كعمل إصلاحات في البيت أو العمل، أو عند التسوق، وهو أقل درجة من الاختراع.

والتخيل الاستقبالي، كأن يسمع الشخص عن حادثة فيتخيلها، أو يقرأ قصة ويتخيل أحداثها وهذا يختلف عن التخيل البنائي الإبداعي الذي مر به مؤلف القصة عند كتابتها، ويشمل أيضا اختراع شيء جديد كطائرة أو مركبة فضائية أو عملية جراحية فريدة. هذا النوع من التخيل لا يعمل عند الكل، بل مشروط بوجود ذاكرة من نوع خاص ليتعامل معها. 

إذن، مراكز التخيل في المخ تعمل في ثلاثة اتجاهات: تخيل الماضي للتسلية والعبرة، تخيل لحل المشاكل اليومية، وتخيل من أجل مستقبل أفضل وتحقيق الأحلام، وهذا الأخير يبين درجة الذكاء الحقيقي القادر على إجابة أي سؤال، ويؤكد أن التخيل بمجمله ليس مجرد استعراض للذاكرة بل "قوة تطويرية دافعة".

أما الإلهام فيختلف عن التخيل، لأنه هبة وفتح رباني لا يتواجد دائما ولا يعلم به أحد متى يحل وفي أي لحظة من الليل أو النهار.. أحيانا نفكر طويلا في مشكلة حتى نيأس من حلها ونتركها بعد جهد طويل وشاق، ومع شدة التمسك بها، فجأة يبرز حلها دون مقدمات. هذا الجزء من العقل الباطن لا يتوقف ولا ينسى ويستمر في الالتزام بالمشكلة والتفكير فيها حتى لو نسيها العقل الظاهر إلى أن يجد لها الحل حتى أثناء النوم، وهو ما كان يحدث مع ابن سينا وديكارت وغيرهم، حيث توصلوا إلى بعض اكتشافاتهم العظيمة وهم نائمون. 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط