الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المجتمعات العمرانية والنهضة الصناعية


حينما اتجهت بلادي مصر نحو المجتمعات العمرانية الجديدة والتوسع فيها منذ ثمانينيات القرن الماضي، كانت تهدف إلى زيادة الرقعة المأهولة بالسكان، وفتح آفاق جديدة للتوسع العمراني، والقضاء على الكثافة السكانية في الوادي الضيق.

كان تفكير الدولة ولا يزال، أن تكون المجتمعات العمرانية مجتمعات حياة شاملة، بما فيها توفير فرص العمل، التى تُدر عوائد مالية لسد متطلبات الحياة الأساسية، فكانت المدن الصناعية، والتى توجد فى كل المدن الجديدة، وذلك لإحداث نهضة مزدوجة، تجمع بين العمران والصناعة، التى هى قاطرة التقدم.

ومن أجل تشجيع الصناعة، وتحفيز المستثمرين على التوسع فى المشروعات، قدمت الدولة خدمات ومساعدات متعددة، بلغت حد توفير المصنع بمعداته، وأصوله الثابتة، بجانب قنوات التمويل والتيسير فى الحصول عليها، حتى "يدور المكن" ويزيد الإنتاج، ويفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي للتصدير، ومن ثم تعزيز أداء الاقتصاد القومى، ورفع معدلات النمو، تحقيقا للتنمية المستدامة.

غير أنه وبعد مرور عشرات السنوات على إنشاء المجتمعات العمرانية، والمدن الصناعية، "تعطل المكن" وتوقفت المصانع، بعد فترة غير طويلة من العمل، وأصبحت أغلب المناطق الصناعية فى المدن الجديدة بلا مصانع وعوامل تشغيل، حتى بلغ الأمر بالكثير من المصانع إلى إعلان حالة الإفلاس، رغم ما سبق وأن أعلنت عنه الدولة، ممثلة فى الجهات الاقتصادية المختلفة، من تقديم يد العون والمساعدة لاستمرارها فى العمل.

أسباب توقف المصانع كثيرة، منها ما يعود إلى نظم الإدارة الخاصة، غير أنها نسبة ضعيفة، ومنها ما يعود إلى أجهزة الدولة، وهى بنسبة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بعمليات التمويل والتسويق، اللذان يمثلان، فى رأينا، أهم عاملين فى النهضة الصناعية، حيث إن الإنتاج بدون خطة تسويق، يؤدي إلى الكساد، ومن ثم الخسارة الفادحة، كما أن نقص التمويل يقف حجر عثرة عن توفير عوامل الإنتاج.

الواقع الاقتصادي الذي تشهده بلادي مصر فى الوقت الراهن، يؤكد أن كثيرا من الجهات المنوط بها دعم الاقتصاد القومي، والعمل على مكافحة البطالة، وتقديم التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، لا زالت تعمل فى إطار نظرى، وتفتقد إلى الإجراءات العملية، التي يجب أن تظهر فى شكل مشروعات صناعية على أرض الواقع.

الجهات التي نقصدها هنا كثيرة، بدءًا من المجموعة الاقتصادية فى الحكومة، وانتهاء بجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والذى هو النسخة المعدلة من الصندوق الاجتماعى، مرورا بقطاع البنوك، الذى تقع عليه المسئولية الأكبر فى تمويل المشروعات.

النهضة الصناعة بالمجتمعات العمرانية إذًا فى حاجة إلى استراتيجية جديدة، تتخلى بموجبها بعض الجهات عن سلبيات الماضى، وهى جهات، رغم أهمية دورها فى تنمية الصناعة، اختصرت إنجازاتها فى مجرد إحصاءات ورقية، وتصريحات إعلامية، ولقاءات نظرية، دون أن تقدم حلولا عملية للمشاكل الاقتصادية الآنية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط