الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثرموستات المخ والحرارة 37


يوجد في مخ الإنسان ميزان لضبط حرارة الجسم (ثرموستات) يشبه ذلك الموجود داخل الثلاجات والمعلق على الجدران لغرض تبريد المأكولات وتكييف المباني. هذا "الثرموستات الرباني" مكانه في منطقة تحت المهاد عند قاع المخ ويعمل مدى الحياة لا يتعطل ولا يتبدل، يقوم بتثبيت درجة حرارة الجسم عند 36.5-37.5 مئوية على مدار الساعة.. ولشرح طريقة عمله، من المفيد التذكير بطريقة عمل ثرموستات الثلاجة. 
ثرموستات الثلاجة يضبط يدويا عند الدرجة المطلوبة ليحافظ عليها، وفيه مستشعرات تستجيب إذا ارتفعت الحرارة داخل الثلاجة يقوم بتوصيل الكهرباء لتشغيل موتور التبريد إلى أن تتحقق الدرجة المثبتة عليه فيقطع التيار وهكذا.. وهذا ما يحدث في ثرموستات المخ، مع فارق صنع الله، ولله المثل الأعلى.

الثرموستات البشري يتكون من نواتين أمامية وخلفية، الواحدة منها بحجم حبة القمح، الأولى للتدفئة والثانية للتبريد، ومكررة على جانبي المخ لخدمة نصفي الجسم، وفي حال تعطل جانب يقوم الآخر بتعويضه، والبلاغات بدرجة الحرارة تصل إليها من الجلد عن طريق الأعصاب الصاعدة، وفي بحث جديد تبين أن نواة ثالثة (ظهرية) تساعدهما لكن دورها ما يزال غامضا.. ومع أنها جميعا ملتزمة بالرقم 37، إلا أن العلماء لم يعثروا على هذا الرقم "مكتوبا"، ورجحوا أنه "كود" سري مثبت على الحمض النووي قرب كود التغذية. 

تختص النواة الأمامية باستشعار الحرارة فتأمر بإجراءات التبريد، كفقد الحرارة بتبخر العرق ووقف إنتاج طاقة جديدة من نواتج الهضم، وتوجيه نشاط الجسم والعضلات إلى الخمول.. بينما النواة الخلفية مهمتها العكس، تشعر بالبرودة فتأمر بتوليد الحرارة من المواد الغذائية ومنع تسريبها بوقف العرق وانقباض أوعية الجلد، ولها أيضا علاقة بمراكز الجوع والشهية، كما تتصل بمناطق الحركة لتأمر العضلات بالارتجاف إذا لزم الأمر لتوليد بعض الحرارة. 
أكثر ارتفاعات الحرارة بسيط وعابر، لكن بعضها معقد ومزعج.. ارتفاع الحرارة (أو الحمى) يعكر صفو الحياة ويعطل إنجاز الأعمال اليومية ويلزم صاحبه الفراش بسبب القشعريرة والصداع وآلام العضلات.. أغلب الحميات تتأرجح ما بين 38-41 درجة مئوية، وتعتبر نقطة الخطر عند 41.5، التي لو حدثت عواقبها وخيمة.
 
لكن من أين تأتي الحرارة وكيف ترتفع في أجسامنا؟.. في الأحوال الطبيعية، كل حرارة تتولد من المجهود وحرق نواتج الهضم تتسرب إشعاعيا من خلال الجلد ومن خلال تبخر العرق وزفير التنفس، وأراد الخالق سبحانه أن تستقر حرارة أجسامنا عند 37 درجة مئوية ويلتزم بها ثرموستات المخ، وبدون هذا المنظم لا حياة للإنسان. 
  
لكن دوام الحال من المحال.. كثيرا ما تباغتنا الحرارة من خارج أجسامنا أو من داخلها. عند التعرض لشمس حارقة لمدة طويلة، تدخل الحرارة إلى الجسم من خارجه ولا يستطيع مواجهتها بالطرق المعتادة كالعرق والتنفس، ويعجز القلب أيضا عن الصمود فيدخل الشخص في حالة إغماء وإجهاد وهبوط في ضغط الدم. 

هذا ما يعرف بالضربة الحرارية أوضربة الشمس، وقد يصاحبها تشنج عضلي "حراري" لفقد أملاح الصوديوم والبوتاسيوم. ضربة الشمس أصعب من الحمى حيث يفلت فيها الزمام ويعجز ثرموستات المخ عن ضبطها وتفشل كل طرق التكيف معها، وقد تؤدي إلى الوفاة أو إلى خلل دائم في المخ والمخيخ. 
  
أما الحرارة التي تتولد من داخل الجسم فهي الأكثر حدوثا ولها مئات الأسباب لا يمكن حصرها أو وصف علاجها في مقال، ولها تخصص إضافي قائم بذاته ضمن الأمراض الباطنة هو الحميات، وتشغل كل فروع الطب الأخرى.. ومع ذلك، فإن ارتفاع حرارة الجسم ليس مرضا بحد ذاته بل تعبير عن مرض، مثلها مثل القيء والعطس والألم والتقلب أثتاء النوم، كلها تنبيهات بوجود مشكلة ومن آليات حفظ الله للإنسان. 

تهاجمنا البكتيريا وفي جدارها مادة تسمى البيروجين ترفع الحرارة، ومادة أخرى تفرزها الخلابا الدفاعية تسمى انترلوكين ترفع الحرارة أيضا. هذه المواد الداخلية تربك ميزان حرارة المخ وتزيح مؤشره. 

ومع أن لا أحد يحب الحمى، إلا أن العلماء يقولون أنها مفيدة لعدة أسباب أولها أنها تنبه إلى وجود مشكلة وتدفعنا إلى البحث عن علاجها كما ذكرنا، وأن أكثر أنواع البكتيريا والفطريات لا ترتاح ولا تعمل بكفاءة إذا ارتفعت حرارة الجسم عن معدلها الطبيعي، كما لوحظ أن الجروح تلتئم أسرع في أوقات الحمى.

صحيح أن أكثر حالات ارتفاع الحرارة سببه عدوى بالبكتيريا والفيروسات والطفليات والفطريات، لكن هناك أسباب أخرى ترفعها غير العدوى كأخذ التطعيمات والتأثير الجانبي لبعض الأدوية، والسرطانات، وحتى في ظروف طبيعية ترتفع حرارة الجسم بعد الأكل وعند بذل الجهد أو ارتداء ملابس ثقيلة في جو حار، وعند النساء ترتفع الحرارة قليلا قبل الدورة الشهرية وأثناء الحمل.. والأكثر من ذلك، هناك ما يسمى "حمى مجهولة المنشأ" وهي لغز ما زال يحير الأطباء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط