الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الراقدون بجوار الموتى


كلما مررت بجوار منطقة مقابر، أو حضرت مراسم دفن لأحد الموتي، أراقب بهدوء الأحياء الراقدون بجوار الموتى، حديثهم، طريقتهم في الحياة، شخصيات يمكن أن تملأ مجلدات كثيرة وتروي حكايات لها العجب.

هل حقًا يتعود الإنسان المقيم في المدافن،وهو يرقد بجوار من فارقوا الحياة، علي الحياة والنوم في المقابر دون خوف أو رهبة؟هل يكون المرء حيًا وهو يحيا حياته معلقًا بين مراسم موت تحدث ربما أمامه بصورة يومية وبين أحداث تربطه بالحياة؟

خليط من الأحاسيس لما يحدث فوق الأرض وتحت الأرض، تُشَكِل مجموعة لا يستهان بها من بني البشر من سكان القبور…. لا ذنب لهم سوي عدم إيجاد مأوي يفصل بين الموت والحياة.. ربما لم تتصور يومًا نفسك مكانهم .. ولكن تخيل إذا حكمت عليك الدنيا أن تحيا وسط الأموات في مقابر وأحواش لا يُسْمٓع فيها صوت أحياء ولا تشم فيها غير رائحة الموت.

إذا هان الإنسان يومًا علي غيره واضطرته الظروف أن يحيا بين القبور هل تظن أنه سوف يخشي الموت؟ أم أنه من كثرة رؤيته إعتاد قلبه عليه وتجمدت مشاعره ربما، وربما امتلئت نفسه بالكراهية تجاه البشر .. خطر جسيم لا يمكن أن نغفله .. الحياة المعلقة بين الأحياء والأموات.. ربما تجد منهم الطيب الذي لم يتلوث من تراب الموت فنقم علي الأحياء وربما تجد منهم الشقي الذي تناسي معني الرحمة لعدم إحساسه بها.. وربما تجد المجرم الذي يختبئ بين جدران المقابر خوفًا من العقاب،مأساة أبدية أن تحكم عليك الحياة أن تنام وسط القبور وأنت حي تُرْزَق فينسي قلبك معني الرحمة وطعم الحيا

لا تكمن الخطورة فقط في المناطق العشوائية غير الآمنة والتي تسعي الدولة للخلاص منها ونقل سكانها إلي أماكن أخري تتسم بالآدمية والنظام .. الخطورة الأكبر في سكان القبور وفيما تحمله أنفسهم من ألم وشجن وربما الوحشية من بعضهم… هل يمكن أن تختار بنفسك هذا المصير إذا كنت تستطيع أن تحيا حياة سوية معتدلة؟ بالطبع لا ، إذا استطاع الإنسان أن يجد منزلًا يحيا فيه حياة كريمة فلن يلجأ إلي السكن في القبور.

ربما حان الوقت أن تلتفت الدولة لهؤلاء، كما التفتت إلي الأماكن العشوائية.. ربما يجب أن تتغير القوانين وتراعي مصالح المواطن الذي لا حيلة له فتحترم آدميته وتعلمه كيف يحياها حتي تختفي تلك الظاهرة المؤلمة فينام الموتي النومة الأبدية دون إزعاج من حي معلق بين الموت والحياة.

لابد من وضع حلول حقيقية تشعر المصري بأنه إنسان له كل الحقوق وعليه كل الواجبات.. ويختفي التناقض الرهيب الذي أصبح سمة من سمات الحياة المصرية بين ثراء فاحش وفقر مدقع… وموت يحيا في قلوب أحياء بلا أمل في المستقبل وبلا إحساس بالرحمة والأمان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط