الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صلاح عطية.. فيلسوف العطاء (2/4)


نستكمل ما بدأناه في الحلقة الماضية ونقول: ومع بدايات المشروع كان الريع المخصص للعمل الخيري, قد اتجه لإقامة حضانة لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بالمجان, مع نقلهم من القري المجاورة والتكفل بزي الحضانة، ثم تشييد ستة معاهد أزهرية واحدا تلو الآخر (بنين وبنات) للمراحل المختلفة إضافة إلى معهد أزهري للمتفوقين، ثم إنشاء عدة كليات لجامعة الأزهر في قريته، حتى يكمل الطلاب دراستهم داخل القرية بعيدا عن صخب المدينة ومغرايتها.

فلسفة العطاء

توقف المهندس صلاح عطية كثيرًا أمام حركة الكون التي تدور حول محور العطاء، وكان يرى أن السماء تعطي لنا المطر وهو سر أسرار الحياة، والأرض تعطي لنا الزروع والثمار، والماشية تعطي لنا اللحم واللبن والجلود، والشمس تعطي لنا النور والحرارة، والنحل يعطي لنا العسل الذي فيه شفاء للناس، وأن كل شيء في الكون عندما يعطي يزداد نموا وصلاحًا، وأن الشىء الذي لا يعطي يزداد فسادًا ونكوصًا؛ فالعنب نقلم فروعه من أجل زيادة إنتاجه، والبئر نأخذ منه الماء فتتحسن مياهه وتزداد عذوبته ويزداد عطاؤه وإذا ما تركناه من غير أخذ فسدت مياهه، وكذلك المال حين يأخذ كل إنسان من ماله ليعطي غيره، ينصلح حال هذا المال ويزداد نموا، كما ينصلح حال الإنسان المعطي نفسه.

يقول رحمه الله:.. وهذا ما حدث معنا، بالعطاء زاد عدد مزارعنا، وتم إنشاء مصنع للأعلاف (للدواجن) وآخر للمركزات ومصنع لعلف الماشية، مع الاتجار في الحاصلات الزراعية وتصدير الموالح والبطاطس والبصل لعدة بلدان خارج مصر،‏ كما تمت إقامة مزارع أخرى في مدينة التل الكبير، حتى أصبح حجم الاستثمارات حاليًا بملايين الجنيهات بفضل الله تعالى. والجميل أن صلاح عطية لم يعتمد على تبرعاته الشخصية فقط، وإنما لجأ لاستنهاض همم الأثرياء من أهل القرية وغيرهم، بل وفى كل بلدة يذهب إليها لإقامة معهد دينى أو مسجد أو حضانة..إلخ، فكانوا نعم النصير لجهوده فى أعمال الخير، خاصة وأن أياديه البيضاء تجاوزت حدود محافظته وامتدت لكل محافظات مصر.

ولقد عايشت بعض مشروعات الخير التي كان يفعلها، والتي كان حريصا على أن تكون في خفاء، فقد جاء ذات غداة إلى صديقه أ.د/ جعفر عبد السلام أستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر، والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، فطلب منه أن يكتب له صيغة عقد، لتنفيذها على عدد من الشقق اشتراها في إحدى المدن الجديدة بالقاهرة، وخصصها للشباب غير القادر، كما طلب منه صياغة عقد آخر للأراضي التي اشتراها في منطقة وادي النطرون (والتي بلغت ثلثمائة فدان، قسمها خمسين قطعة، كل قطعة ستة أفدنة ومنزل، ليقيم فيها الفقير وأسرته للعمل والزراعة والإنتاج) ثم يقوم المهندس صلاح عطية بشراء المحصول منه. ويبدو أن تفكيره وصديقه كانا يسيران على موجة واحدة، فقد أبدع الدكتور جعفر في صياغة "عقود وقفية" بصيغ إبداعية جديدة، تضمن وصول التبرعات إلى مستحقيها، وتضمن بقاء العين باقية إلى يوم القيامة، وبقاء حق الانتفاع باقيا دون التصرف في الأصل، وتضمن التنمية المستديمة للشباب، وتسهم في الحد من ظاهرة الفقر والبطالة؛ ليعيش الشباب والفقراء عيشة كريمة، وأيضا تضمن عدم استيلاء أي مؤسسة على العين الموقوفة.



بيت مال المسلمين:

وحول استراتيجية القضاء على الفقر يذكر لنا الزميل الأستاذ عبد الرحمن هاشم في حواره مع المهندس صلاح عطية (رحمه الله) أنه قال: "إن لجنة الزكاة بالمركز الإسلامي مهمتها إنشاء بيت مال المسلمين وإدارته والإشراف على جمع وتوزيع الزكاة في مصارفها الشرعية. والحقيقة أن بيت مال المسلمين في تفهنا الأشراف هو أول بيت لمال المسلمين في مصر وهو إحياء لسنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فبيت المال في هذه البلدة تجمع فيه الزكاة والصدقة بطريقة التبرع والتطوع من غير إلزام، وتتكون موارده من الزكاة المفروضة، وصدقات التطوع من أهل القرية.. ولو قضيت يومًا داخل بيت مال المسلمين هناك فإنك سترى بناظريك الناسَ يأتون إلى بيت المال بهذه الأشياء:

- جميع أنواع الحبوب يأتي بها المزارع من أرضه إلى بيت المال أو تذهب اللجنة المختصة إليه لإحضار حق الله تعالى في زكاة الزروع.

- تأتي السيدة الفلاحة بوعاء مملوء باللبن، زكاة عن ماشيتها، وتضعه في المكان المخصص له.

- تأتي السيدة التي تزوجت من مدة بفستان زفافها وتضعه في بيت المال؛ لكي ترتديه يتيمة أو مسكينة من بنات القرية أو القرى المجاورة ليلة زفافها.

- يدخل الرجل من القرية على بيت المال ومعه كفن؛ لستر الميت الفقير، ويسلمه للمسئول عن ذلك.

- يتعهد الموظف بإخراج جزء من مرتبه لبيت المال كل شهر مدى الحياة.

- وسوف ترى مَن يدخل إلى بيت المال ومعه (عِجلة بقر أو جاموس أو نعجة أو عنزة..) ويسلمها لبيت المال فيأخذها فقير يربيها، ثم يتحول إلى منتج مع مرور الأيام.

- وهناك الطبيب الذي يتعهد بمداواة المرضى الفقراء بالمجان لصالح بيت المال.

هذه نماذج من الأشياء التي ستشاهدها داخل بيت مال تفهنا الأشراف ويظل عطاء المسلمين متنوعا ومتجددا وشاهدا على إسلامهم وتوجههم إلى ربهم بالبذل والإحسان" أهـ... وللحديث بقية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط